وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ ﴾
سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر، والمراد الجدال بالباطل، من الطعن فيها، والقصد إلى إدحاض الحق، وإطفاء نور الله تعالى.
وقد دل على ذلك في قوله تعالى :﴿ وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق ﴾ [ غافر : ٥ ].
فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها، وحل مشكلها، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها، ورد أهل الزيغ بها وعنها، فأعظم جهاد في سبيل الله.
وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" عند قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ] مستوفى.
﴿ فَلاَ يَغْرُرْكَ ﴾ وقرىء :"فَلاَ يَغُرَّكَ" ﴿ تَقَلُّبُهُمْ ﴾ أي تصرفهم ﴿ فِي البلاد ﴾ فإني وإن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم.
قال ابن عباس : يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن.
وقيل :"لاَ يَغْرُرْكَ" ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا.
وقال الزجاج :"لاَ يَغْرُرْكَ" سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك.
وقال أبو العالية : آيتان ما أشدّهما على الذين يجادلون في القرآن : قوله :"مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا"، وقوله :﴿ وَإِنَّ الذين اختلفوا فِي الكتاب لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [ البقرة : ١٧٦ ].
قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل.
﴿ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمَن بعدهم.
﴿ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ﴾ أي ليحبسوه ويعذبوه.
وقال قتادة والسدّي : ليقتلوه.
والأخذ يرِد بمعنى الإهلاك ؛ كقوله :﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [ الحج : ٤٤ ].
والعرب تسمي الأسير الأخيذ ؛ لأنه مأسور للقتل ؛ وأنشد قطرب قول الشاعر :