ولما ذكر استغفارهم بين عبارتهم عنه بقوله :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا بالإيمان وغيره.
ولما كان المراد بيان اتساع رحمته سبحانه وعلمه، وكان ذلك أمراً لا يحتمله العقول، عدل إلى أسلوب التمييز تنبيهاً على ذلك مع ما فيه من هز السامع وتشويقه بالإبهام إلى الإعلام فقال :﴿وسعت كل شيء﴾ ثم بين جهة التوسع بقوله تميزاً محولاً عن الفاعل :﴿رحمة﴾ أي رحمتك أي بإيجاده من العدم فما فوق ذلك ﴿وعلماً﴾ أي وأحاط بهم علمك، فمن أكرمته فعن علم بما جلبته عليه مما يقتضي إهانة أو إكراماً.
ولما كان له سبحانه أن يفعل ما يشاء من تعذيب الطائع وتنعيم العاصي وغير ذلك، قالوا منبهين على ذلك :﴿فاغفر للذين تابوا﴾ أي رجعوا إليك عن ذنوبهم برحمتك لهم بأن تمحوا أعيانها وآثارها، فلا عقاب ولا عتاب ولا ذكر لها ﴿واتبعوا﴾ أي كلفوا أنفسهم على ما لها من العوج أن لزموا ﴿سبيلك﴾ المستقيم الذي لا لبس فيه.
ولما كان الغفران قد يكون لبعض الذنوب، وكان سبحانه له أن يعذب من لا ذنب له، وأن يعذب من غفر ذنبه قالوا :﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ أي اجعل بينهم وبينه وقاية بأن تلزمهم الاستقامة وتتم نعمتك عليهم، فإنك وعدت من كان كذلك بذلك، ولا يبدل القول لديك، وإن كان يجوز أن تفعل ما تشاء.
ولما كانت النجاة من العذاب لا تستلزم الثواب، قالوا مكررين صفة الإحسان زيادة في الرقة في طلب الامتنان :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا بتوفيق أحبابنا الذين لذذونا بالمشاركة في عبادك بالجنان واللسان والأركان ﴿وأدخلهم جنات عدن﴾ أي إقامة لا عناد فيها.
ولما كانوا عالمين بأن سبحانه لا يجب عليه لأحد شيء ولا يقبح منه شيء، نبهوا على ذلك بقولهم :﴿التي وعدتهم﴾ مع الزيادة في التملق واللطافة في الحث وإدخالهم لأجل استعمالك إياهم الصالحات.


الصفحة التالية
Icon