السنة في الدعاء، يبدأ فيه بالثناء على الله تعالى، ثم يذكر الدعاء عقيبه، والدليل عليه هذه الآية، فإن الملائكة لما عزموا على الدعاء والاستغفار للمؤمنين بدأوا بالثناء فقالوا ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾ وأيضاً أن الخليل عليه السلام لما أراد أن يذكر الدعاء ذكر الثناء أولاً فقال :﴿الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ * والذى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والذى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ * والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين﴾ [ الشعراء : ٧٨ ٨٢ ] فكل هذا ثناء على الله تعالى، ثم بعده ذكر الدعاء فقال :﴿رَبّ هَبْ لِى حُكْماً وَأَلْحِقْنِى بالصالحين﴾ [ الشعراء : ٨٣ ].
واعلم أن العقل يدل أيضاً على رعاية هذا الترتيب، وذلك ذكر الله بالثناء والتعظيم بالنسبة إلى جوهر الروح كالإكسير الأعظم بالنسبة إلى النحاس، فكما أن ذرة من الإكسير إذا وقعت على عالم من النحاس انقلب الكل ذهباً إبريزاً فكذلك إذا وقعت ذرة من إكسير معرفة جلال الله تعالى على جوهر الروح النطقية، انقلب من نحوسة النحاسة إلى صفاء القدس وبقاء عالم الطهارة، فثبت أن عند إشراق نور معرفة الله تعالى في جواهر الروح، يصير الروح أقوى صفاء وأكمل إشراقاً، ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره أكمل، فكان حصول الشيء المطلوب بالدعاء أقرب وأكمل، وهذا هو السبب في تقديم الثناء على الله على الدعاء.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon