﴿ قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين ﴾ أي إماتتين وإحياءتين أو موتتين وحياتين، وأراد بالإماتتين خلقهم أمواتاً أولاً وإماتتهم عند انقضاء آجالهم، وصح أن يسمى خلقهم أمواتاً إماتة، كما صح أن يقال : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل، وليس ثمة نقل من كبر إلى صغر، ولا من صغر إلى كبر، والسبب فيه أن الصغر والكبر جائزان على المصنوع الواحد، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه.
وبالإحياءتين : الإحياءة الأولى في الدنيا، والإحياءة الثانية البعث، ويدل عليه قوله :﴿ وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ].
وقيل : الموتة الأولى في الدنيا، والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال، والإحياء الأول إحياؤه في القبر بعد موته للسؤال، والثاني للبعث ﴿ فاعترفنا بِذُنُوبِنَا ﴾ لما رأوا الإماتة والإحياء قد تكررا عليهم علموا أن الله قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم ﴿ فَهَلْ إلى خُرُوجٍ ﴾ من النار.
أي إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء لنتخلص ﴿ مِّن سَبِيلٍ ﴾ قط أم اليأس واقع دون ذلك فلا خروج ولا سبيل إليه، وهذا كلام من غلب عليه اليأس وإنما يقولون ذلك تحيراً، ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك وهو قوله ﴿ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ ﴾ أي ذلكم الذي أنتم فيه وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد الله وإيمانكم بالإشراك به ﴿ فالحكم للَّهِ ﴾ حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد ﴿ العلى ﴾ شأنه، فلا يرد قضاؤه ﴿ الكبير ﴾ العظيم سلطانه، فلا يحد جزاؤه، وقيل : كأن الحرورية أخذوا قولهم : لا حكم إلا لله من هذا.