والخلاف في هذه الآية مقول كله في آية سورة البقرة، وهذه الآية يظهر منها أن معناها منقطع من معنى قوله تعالى :﴿ إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ﴾ وليس الأمر كذلك، بل الآيتان متصلتا المعنى، وذلك أن كفرهم في الدنيا كان أيضاً بإنكارهم البعث واعتقادهم أنه لا حشر ولا عذاب، ومقتهم أنفسهم إنما عظمه، لأن هذا المعتقد كذبهم، فلما تقرر مقتهم لأنفسهم ورأوا خزياً طويلاً عريضاً رجعوا إلى المعنى الذي كان كفرهم به وهو البعث وخرج الوجود مقترناً بعذابهم فأقروا به على أتم وجوهه، أي قد كنا كفرنا بإنكارنا البعث ونحن اليوم نقر أنك أحييتنا اثنتين وأمتنا اثنتين، كأنهم قصدوا تعظيم قدرته تعالى واسترضاءه بذلك، ثم قالوا عقب هذا الإقرار طمعاً منهم، فها نحن معترفون بذنوبنا ﴿ فهل إلى خروج من سبيل ﴾ ؟ وهذا كما تكلف إنساناً أن يقر لك بحق وهو ينكرك، فإذا رأى الغلبة وضرع أقر بذلك الأمر متمماً أوفى مما كنت تطلب به أولاً، وفيما بعد قولهم :﴿ فهل إلى خروج من سبيل ﴾ محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر، تقديره : لا إسعاف لطلبتكم أو نحو هذا من الرد والزجر.
وقوله تعالى :﴿ ذلكم ﴾ يحتمل أن يكون إشارة إلى العذاب الذي هم فيه، ويحتمل أن يكون إشارة إلى مقت الله إياهم، ويحتمل أن يكون إشارة إلى مقتهم أنفسهم، ويحتمل أن تكون إشارة إلى المنع والزجر والإهانة التي قلنا إنها مقدرة محذوفة الذكر لدلالة ظاهر القول عليها، ويحتمل أن تكون المخاطبة ب ﴿ ذلكم ﴾ لمعاصري محمد ﷺ فى الدنيا، ويحتمل أن تكون في الآخرة للكفار عامة. وقوله :﴿ إذا دعي الله وحده ﴾ معناه : بحالة توحيد ونفي لما سواه من الآلهة والأنداد.