فصل
قال الفخر :
ثم حكى تعالى أن ذلك المؤمن رد هذا الكلام على فرعون فقال :﴿إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ الأحزاب ﴾.
واعلم أنه تعالى حكى عن ذلك المؤمن أنه كان يكتم إيمانه، والذي يكتم كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون، ولهذا السبب حصل ههنا قولان الأول : أن فرعون لما قال :﴿ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى﴾ [ غافر : ٢٦ ] لم يصرح ذلك المؤمن بأنه على دين موسى، بل أوهم أنه مع فرعون وعلى دينه، إلا أنه زعم أن المصلحة تقتضي ترك قتل موسى، لأنه لم يصدر عنه إلا الدعوة إلى الله والإتيان بالمعجزات القاهرة وهذا لا يوجب القتل، والإقدام على قتله يوجب الوقوع في ألسنة الناس بأقبح الكلمات، بل الأولى أن يؤخر قتله وأن يمنع من إظهار دينه، لأن على هذا التقدير إن كان كاذباً كان وبال كذبه عائداً إليه، وإن كان صادقاً حصل الانتفاع به من بعض الوجوه، ثم أكد ذلك بقوله ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [ غافر : ٢٨ ] يعني أنه إن صدق فيما يدعيه من إثبات الإله القادر الحكيم فهو لا يهدي المسرف الكذاب، فأوهم فرعون أنه أراد بقوله ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ أنه يريد موسى وهو إنما كان يقصد به فرعون، لأن المسرف الكذاب هو فرعون والقول الثاني : أن مؤمن آل فرعون كان يكنم إيمانه أولاً، فلما قال فرعون ﴿ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى﴾ أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى، وشافه فرعون بالحق.