واعلم أنه تعالى حكى عن هذا المؤمن أنواعاً من الكلمات ذكرها لفرعون الأول : قوله ﴿يا قوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ الأحزاب﴾ والتقدير مثل أيام الأحزاب، إلا أنه لما أضاف اليوم إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد ثمود، فحينئذٍ ظهر أن كل حزب كان له يوم معين في البلاء، فاقتصر من الجمع على ذكر الواحد لعدم الالتباس، ثم فسّر قوله ﴿إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ الأحزاب﴾ بقوله ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾ ودأب هؤلاء دونهم في عملهم من الكفار والتكذيب وسائر المعاصي، فيكون ذلك دائباً ودائماً لا يفترون عنه، ولا بد من حذف مضاف يريد مثل جزاء دأبهم، والحاصل أنه خوفهم بهلاك معجل في الدنيا، ثم خوفهم أيضاً بهلاك الآخرة، وهو قوله ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ والمقصود منه التنبيه على عذاب الآخرة.
والنوع الثاني : من كلمات ذلك المؤمن قوله تعالى :﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ﴾ يعني أن تدمير أولئك الأحزاب كان عدلاً، لأنهم استوجبوه بسبب تكذيبهم للأنبياء، فتلك الجملة قائمة ههنا، فوجب حصول الحكم ههنا، قالت المعتزلة :﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ﴾ يدل على أنه لا يريد أن يظلم بعض العباد بعضاً، ويدل على أنه لا يريد ظلم أحد من العباد، فلو خلق الكفر فيهم ثم عذبهم على ذلك الكفر لكان ظالماً، وإذا ثبت أنه لا يريد الظلم ألبتة ثبت أنه غير خالق لأفعال العباد، لأنه لو خلقها لأرادها، وثبت أيضاً أنه قادر على الظلم، إذ لو لم يقدر عليه لما حصل المدح بترك الظلم، وهذا الاستدلال قد ذكرناه مراراً في هذا الكتاب مع الجواب، فلا فائدة في الإعادة.
النوع الثالث : من كلمات هذا المؤمن قوله ﴿وياقوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية