ولما لم يكن مجيئه مستغرقاً لما تقدم موسى عليه السلام من الزمان أدخل الجار فقال :﴿من قبل﴾ أي قبل زمن موسى عليه السلام :﴿بالبينات﴾ أي الآيات الظاهرات ولا سيما في أمر يوم التناد ﴿فما زلتم﴾ بكسر الزاي من زال يزال أي ما برحتم أنتم تبعاً لآبائكم ﴿في شك﴾ أي محيط بكم لم تصلوا إلى رتبة الظن ﴿مما جاءكم به﴾ من التوحيد وما يتبعه، ودل على تمادي شكهم بقوله :﴿حتى إذا هلك﴾ وكأنه عبر بالهلاك إيهاماً لهم أنه غير معظم له، وأنه إنما يقول ما يشعر بالتعظيم لأجل محض النصيحة والنظر في العاقبة ﴿قلتم﴾ أي من عند أنفسكم بغير دليل كراهة لما جاء به وتضجرا منه جهلاً بالله تعالى :﴿لن يبعث الله﴾ أي الذي له صفات الكمال.
ولما كان مرادهم استغراق النفي حتى لا يقع البعث في زمن من الأزمان وإن قل، أدخل الجار فقال :﴿من بعده﴾ أي يوسف عليه السلام ﴿رسولا﴾ وهذا ليس إقراراً منهم برسالته، بل هو ضم منهم إلى الشك في رسالته التكذيب برسالة من بعده، والحجر على الملك الأعظم في عباده وبلاده والإخبار عنه بما ينافي كماله.
ولما كان كأنه قيل : هذا ضلال عظيم هل ضل أحد مثله؟ أجيب بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الضلال العظيم الشأن ﴿يضل﴾ وأبرز الاسم ولم يضمره لئلا يخص الإضلال بالحيثية الماضية، وجعله الجلالة تعظيماً للأمر لصلاحية الحال لذلك وكذا ما يأتي بعده ﴿الله﴾ أي بما له من صفات القهر ﴿من هو مسرف﴾ أي متعال في الأمور خارج عن الحدود طالب للارتفاع عن طور البشر.