قوله تعالى :﴿زُيّنَ﴾ لا بد له من المزين، فقالت المعتزلة : إنه الشيطان، فقيل لهم إن كان المزين لفرعون هو الشيطان، فالمزين للشيطان إن كان شيطاناً آخر لزم إثبات التسلسل في الشياطين أو الدور وهو محال، ولما بطل ذلك وجب انتهاء الأسباب والمسببات في درجات الحاجات إلى واجب الوجود، وأيضاً فقوله ﴿زُيّنَ﴾ يدل على أن الشيء إن لم يكن في اعتقاد الفاعل موصوفاً بأنه خير وزينة وحسن فإنه لا يقدم عليه، إلا أن ذلك الاعتقاد إن كان صواباً فهو العلم، وإن كان خطأ فهو الجهل، ففاعل ذلك الجهل ليس هو ذلك الإنسان، لأن العاقل لا يقصد تحصيل الجهل لنفسه، ولأنه إنما يقصد تحصيل الجهل لنفسه إذا عرف كونه جهلاً، ومتى عرف كونه جهلاً امتنع بقاؤه جاهلاً، فثبت أن فاعل ذلك الجهل ليس هو ذلك الإنسان، ولا يجوز أن يكون فاعله هو الشيطان، لأن البحث الأول بعينه عائد فيه، فلم يبق إلا أن يكون فاعله هو الله تعالى، والله أعلم.
ويقوي ما قلناه أن صاحب "الكشاف" نقل أنه قرىء ﴿وَزينَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ﴾ على البناء للفاعل والفعل لله عزّ وجلّ، ويدل عليه قوله ﴿إلى إله موسى ﴾.
ثم قال تعالى :﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ﴾ والتباب الهلاك والخسران، ونظيره قوله تعالى :﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [ هود : ١٠١ ] وقوله تعالى :﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ﴾ [ المسد : ١ ]، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ٥٤ ـ ٥٩﴾