والوجه أن يكون قوله :﴿ رسولا ﴾ مفعولَ ﴿ يبعث ﴾ وأنه لا يقتضي وصف يوسف به فإنه لم يَرِد في الأخبار عدّة في الرسل ولا أنه دعا إلى دين في مصر وكيف والله يقول :﴿ ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ﴾ [ يوسف : ٧٦ ] ولا شك في أنه نبيء إذا وجد مساغاً للإرشاد أظهره كقوله :﴿ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ﴾ [ يوسف : ٣٩، ٤٠ ] وقوله :﴿ إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون وأتعبتُ ملة آباءي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ﴾ [ يوسف : ٣٧، ٣٨ ].
وعدي فعل ﴿ جاءكم ﴾ إلى ضمير المخاطبين.
وأسند ﴿ فما زِلْتُمْ ﴾ و ﴿ قلتم ﴾ إلى ضميرهم أيضاً، وهم ما كانوا موجودين حينئذٍ قصداً لحمل تبعة أسلافهم عليهم وتسجيلاً عليهم بأن التكذيب للناصحين واضطراب عقولهم في الانتفاع بدلائل الصدق قد ورثوه عن أسلافهم في جبلّتهم وتقرر في نفوسهم فانتقاله إليهم جيلاً بعد جيل كما تقدم في خطاب بني إسرائيل في سورة [ البقرة : ٤٩ ] :﴿ وإذا نجيناكم من آل فرعون ﴾ ونحوه.
جرى أكثر المفسرين على أن هذه الجمل حكاية لبقية كلام المؤمن وبعضهم جعل بعضها من حكاية كلام المؤمن وبعضَها كلاماً من الله تعالى، وذلك من تجويز أن يكون قوله :﴿ الَّذِينَ يجادلونرسولا كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ * الذين يجادلون فى ءايات الله بِغَيْرِ سلطان أتاهم كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله وَعِندَ الذين ءَامَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ الخ بدلاً أو مبتدأ، وسكت بعضهم عن ذلك مقتصراً على بيان المعنى دون تصدّ لبيان اتصالَها بما قبلها.
والذي يظهر أن قوله :﴿ كذلك يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ إلى قوله :﴿ جَبَّارٍ ﴾.