كله من كلام الله تعالى معترَض بين كلام المؤمن وكلام فرعون فإن هذا من المعاني الإِسلامية قصد منه العبرة بحال المكذبين بموسى تعريضاً بمشركي قريش، أي كضلال قوم فرعون يضل الله من هو مسرف مرتاب أمثالكم، فكذلك يكون جزاؤكم، ويؤيد هذا الوجه قوله في آخرها :﴿ وَعِندَ الَّذِينَ ءامَنُوا ﴾ فإن مؤمن آل فرعون لم يكن معه مؤمن بموسى وهارون غيره، وهذا من باب تذكر الشيء بضده، ومما يزيد يقيناً بهذا أن وصف ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾ تكرر أربع مرات من أول هذه السورة، ثم كان هنا وسطاً في قوله :﴿ إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ﴾ [ غافر : ٥٦ ]، ثم كان خاتمة في قوله :﴿ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ﴾ [ غافر : ٦٩ ].
والإِشارة في قوله كذلك : إلى الضلال المأخوذ من قوله :﴿ يُضِلُّ الله ﴾ أي مثل ذلك الضلال يضل الله المسرفين المرتابين، أي أن ضلال المشركين في تكذيبهم محمداً ﷺ مثل ضلال قوم فرعون في تكذيبهم موسى عليه السلام.
والخطاب بالكاف المقترنة باسم الإِشارة خطاب للمسلمين.
والمسرف : المُفْرِط في فعل لا خير فيه.
والمرتاب : الشديد الريب، أي الشك.
وإسناد الإِضلال إلى الله كإسناد نفي الهداية إليه في قوله :﴿ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ﴾ [ غافر : ٢٨ ]، وتقدم آنفاً.
وقوله :﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾ يجوز أن يكون مبتدأ خبره ﴿ كَبُرَ مُقْتاً ﴾ ويجوز أن يكون بدلاً من ( مَن ) في قوله :﴿ من هو مسرف مرتاب ﴾ فبيّن أن مَاصْدَقَ ( مَن ) جماعة لا واحد، فروعي في ﴿ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرتاب ﴾ لفظ ( مَن ) فأخبر عنه بالإِفراد، وروعي في البدل معنى ( مَن ) فأبدل منه موصول الجمع.


الصفحة التالية
Icon