وصلة ﴿ الذين ﴾ عُرف بها المشركون من قريش قال تعالى :﴿ إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ﴾ [ فصلت : ٤٠ ] وقال في هذه السورة [ ٤ ] :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ﴾
واختيار المضارع في ﴿ يجادلون ﴾ لإِفادة تجدد مجادلتهم وتكررها وأنهم لا ينفكون عنها.
وهذا صريح في ذمهم وكنايةٌ عن ذم جدالهم الذي أوجب ضلالهم.
وفي الموصولية إيماء إلى علة إضلالهم، أي سببُ خلق الضلال في قلوبهم الإِسراف بالباطل تكررُ مجادلتهم قصداً للباطل.
والمجادلة : تكرير الاحتجاج لإِثبات مطلوب المجادل وإبطال مطلوب مَن يخالفهُ قال تعالى :﴿ وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ [ النحل : ١٢٥ ]، فمن المجادلة في آيات الله المحاجّة لإِبطال دلالتها، ومنها المكابرة فيها كما قالوا :﴿ قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ﴾ [ فصلت : ٥ ]، ومنها قطع الاستماع لها، كما قال عبد الله بن أُبَيّ بنُ سلول في وقت صراحة كفره للنبيء ﷺ وقد جاء النبي ﷺ مجلساً فيه ابن سلول فقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن سلول لاَ أحسنَ مما تقول أيُّها المرءُ ولاَ تَغْشَنَا به في مجالسنا واجلِسْ في رحلك فمن جاءك فاقْرَأ عليه.
و﴿ بِغَيْرِ سلطان ﴾ مُتعلق بـ ﴿ يجادلون، ﴾ والباء للاستعانة، والسلطان : الحجة.
والمعنى : أنهم يجادلون بما ليس بحجة ولكن باللَّجاج والاستهزاء.
و﴿ أتاهم ﴾ صفة ل ﴿ سلطان.
والإِتيان مستعار للظهور والحصول.
وحصول الحجة هو اعتقادها ولَوْحُها في العقل، أي يجادلون جدلاً ليس مما تثيره العقول والنظر الفكري ولكنه تمويه وإسكات.


الصفحة التالية
Icon