وإنما كان يشغله تدبير أمر المملكة فكان يكِل شؤون الديانة إلى الكهنة في معابدهم، فأراد في هذه الأزمة الجدلية أن يتصدى لذلك بنفسه ليكون قوله الفصل في نفي وجود إله آخر تضليلاً لدهماء أمته، لأنه أراد التوطئة للإِخبار بنفي إله أخر غير آلهتهم فأراد أن يتولى وسائل النفي بنفسه كما كانت لليهود محاريب للخلوة للعبادة كما تقدم عند قوله تعالى :﴿ فخرج على قومه من المحراب ﴾ [ مريم : ١١ ] وقوله :﴿ كلما دخل عليها زكريا المحراب ﴾ [ آل عمران : ٣٧ ] ومن اتخاذ الرهبان النصارى صوامع في أعالي الجبال للخلوة للتعبد، ووجودها عند هذه الأمم يدل على أنها موجودة عند الأمم المعاصرة لهم والسابقة عليهم.
والأسباب : جمع سبب، والسبب ما يوصِّل إلى مكان بعيد، فيطلق السبب على الطريق، ويطلق على الحبل لأنهم كانوا يتوصلون به إلى أعلى النخيل.
والمراد هنا : طرق السماوات، كما في قول زهير:
ومن هَاب أسبابَ المنايا يَنَلْنَه...
وإن يَرْقَ أسبابَ السماء بسلّم
وانتصب ﴿ أسباب السماوات ﴾ على البدل المطابق لقوله :﴿ الأسباب.
وجيء بهذا الأسلوب من الاجمال ثم التفصيل للتشويق إلى المراد بالأسباب تفخيماً لشأنها وشأننِ عمله لأنه أمرٌ عجيب ليورَدَ على نفس متشوقة إلى معرفته وهي نفس ( هامان ).
والاطّلاع بتشديد الطاء مبالغة في الطلوع، والطلوع : الظهور.
والأكثر أن يكون ظهوراً من ارتفاع، ويعرف ذلك أو عدمُه بتعدية الفعل فإن عُدي بحرف ( على ) فهو الظهور من ارتفاع، وإن عُدي بحرف ( إلى ) فهو ظهور مطلق.


الصفحة التالية
Icon