وقرأ الجمهور :﴿ فأَطَّلِعُ ﴾ بالرفع تفريعاً على ﴿ أبلغ ﴾ كأنه قيل : أبلغُ ثم اطَّلِعُ، وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على جواب الترجي لمعاملة الترجي معاملة التمني وإن كان ذلك غير مشهور، والبصريون ينكرونه كأنه قيل : متى بلغتُ اطلعتُ، وقد تكون له ههنا نكتة وهي استعارة حرف الرجاء إلى معنى التمني على وجه الاستعارة التبعية إشارة إلى بُعْد ما ترجاه، وجعل نصب الفعل بعده قرينة على الاستعارة.
وبيْن ﴿ إلى ﴾ و ﴿ إله ﴾ الجناسُ الناقص بحرففٍ كما ورد مرتين في قول أبي تمام :
يمُدُّون من أَيْد عَواصصٍ عَوَاصِمٍ
تَصُول بأسياف قَوَاضضٍ قَواضَبِ...
وجملة ﴿ وَإنِّي لأظُنُّه كاذبا ﴾ معترضة للاحتراس من أن يظن ( هامان ) وقومه أن دعوة موسى أوهنت منه يقينَه بدينه وآلهته وأنه يروم أن يبحث بحث متأمل ناظر في أدلة المعرفة فحقق لهم أنه ما أراد بذلك إلا نفي ما ادعاه موسى بدليل الحس.
وجيء بحرف التوكيد المعزّز بلام الابتداء لينفي عن نفسه اتهام وزيره إياه بتزلزل اعتقاده في دينه.
والمعنى : إني أفعل ذلك ليظهر كذب موسى.
والظن هنا مستعمل في معنى اليقين والقطع، ولذلك سمى الله عزمه هذا كيداً في قوله :﴿ ومَا كَيْدُ فِرْعَونَ إلاَّ في تَبَابٍ ﴾.
﴿ كاذبا وكذلك زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى ﴾
جملة ﴿ وكذلك زُيِنَ لفرعون ﴾ عطف على جملة ﴿ وَقَال فِرْعَوْنُ ﴾ لبيان حال اعتقاده وعمله بعد أن بين حال أقواله، والمعنى : أنه قال قولاً منبعثاً عن ضلال اعتقاد ومُغرياً بفساد الأعمال.
ولهذا الاعتبار اعتبارِ جميع أحوال فرعون لم تُفْصَل هذه الجملة عن التي قبلها إذ لم يقصد بها ابتداء قصة أخرى، وهذا مما سموه بالتوسط بين كَمَالَي الاتصال والانقطاع في باب الفصل والوصل من علم المعاني.