وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ﴾
قد قدمنا ذكر الخلاف في هذه الأقوال كلها، هل هي من قول مؤمني آل فرعون أو من قول موسى عليه السلام : وقالت فرقة من المتأولين منه الطبري :﴿ يوسف ﴾ المذكور هو يوسف بن يعقوب صلى الله عليه. وقالت فرقة : بل هو حفيده يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب. و" البينات " التي جاء بها يوسف لم تعين لنا حتى نقف على معجزاته. وروي عن وهب بن منبه أن فرعون موسى لقي يوسف، وأن هذا التقريع له كان. وروى أشهب عن مالك أن بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة. وقالت فرقة : بل هو فرعون آخر.
وقوله :﴿ قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً ﴾ حكاية لرتبه قولهم لأنهم إنما أرادوا أن يجيء بعد هذا من يدعي مثل ما ادعى ولم يقر أولئك قط برسالة الأول ولا الآخر، ولا بأن الله يبعث الرسل فحكى رتبة قولهم، وجاءت عبارتهم مشنعة عليهم، ولذلك قال بإثر هذا :﴿ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ﴾ أي كما صيركم من الكفر والضلالة في هذا الحد فنحو ذلك هو إضلاله لصنعكم أهل السرف في الأمور وتعدي الطور والارتياب بالحقائق. وفي مصحف أبي بن كعب وابن مسعود :" قلتم لن يبعث الله "، ثم أنحى لهم على قوم صفتهم موجودة في قوم فرعون، فكأنه أرادهم فزال عن مخاطبتهم حسن أدب واستجلاباً، فقال ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾ أي بالإبطال لها والرد بغير برهان ولا حجة أتتهم من عند الله كبر مقت جدالهم عند الله، فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه، ورد الفاعل ب ﴿ كبر ﴾ نصيباً على التمييز كقولك : تفقأت شحماً وتصببت عرقاً. و: ﴿ يطبع ﴾ معناه. يختم بالضلال ويحجب عن الهدى.


الصفحة التالية
Icon