والمراد بالقوة القوةُ المعنوية وهي كثرة الأمة ووفرةُ وسائل الاستغناء عن الغير كما قال تعالى :﴿ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا مَن أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ﴾ [ فصلت : ١٥ ]
وجملة ﴿ كانوا هم أشد منهم قوَّة ﴾ الخ مستأنفة استئنافاً بيانياً لتفصيل الإِجمال الذي في قوله :﴿ كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ﴾ لأن العبرة بالتفريع بعدها بقوله :﴿ فأخَذَهم الله بذنوبهم ﴾.
وقرأ الجمهور ﴿ منهم ﴾ بضمير الغائب، وقرأه ابن عامر ﴿ منكم بضمير خطاب الجماعة وكذلك رسمت في مصحف الشام، وهذه الرواية جارية على طريقة الالتفات.
والآثار : جمع أثر، وهو شيء أو شكل يرسمه فعل شيء آخر، مثلُ أثر الماشي في الرمْل قال تعالى :{ فقبضت قبضة من أثر الرسول ﴾
[ طه : ٩٦ ] ومثلُ العشب أثر المطر في قوله تعالى :﴿ فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ﴾ [ الروم : ٥٠ ]، ويستعار الأثر لما يقع بعد شيء كقوله تعالى :﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم ﴾ [ الكهف : ٦ ].
والمراد بالأرض : أرض أمتهم.
والفاء في ﴿ فأخَذَهُم الله ﴾ لتفريع الأخذ على كونهم أشدَّ قوة من قريش لأن القوة أريد بها هنا الكناية عن الإِباء من الحق والنفور من الدعوة، فالتقدير : فأعرضوا، أو فكفروا فأخذهم الله.
والآخذ : الاستئصال والإِهلاك كنّي عن العقاب بالأخذ، أو استعمل الأخذ مجازاً في العقاب.
والذنوب : جمع ذنب وهو المعصية، والمراد بها الإِشراك وتكذيب الرسل، وذلك يستتبع ذنوباً جمة، وسيأتي تفسيرها بقوله :﴿ ذلك بأنَّهم كانت تأتِيهِم رُسُلُهم بالبينات ﴾.
ومعنى :﴿ وما كانَ لهُم مِنَ الله من وَاق ﴾ ما كان لهم من عقابه وقدرته عليهم، فالواقي : هو المدافع الناصر.


الصفحة التالية
Icon