ثم إن قبول التوبة واجب على الله أم لا؟ فيه بحث أيضاً للفريقين. فالمعتزلة أوجبوه، والأشعري يقول : إنه على سبيل التفضيل وإلا لم بتمدّح به. والظاهر أن التوب مصدر. وقيل : جمع توبة أي ما ذنب تاب منه العبد إلا قبل توبته. وقد ذكر أهل الإعراب ههنا سؤالاً وهو أن غافر الذنب وقابل التوب يمكن بوجيههما بأنهما معرفتان كما سبق في ﴿ مالك يوم الدين ﴾ [ الفاتحة : ٣ ] وهو أنهما بمعنى الماضي أو الاستمرار فيصح وقوعهما صفتين لله إلا أن قوله ﴿ شديد العقاب ﴾ لا يمكن فيه هذا الوجه لأنه في معنى شديد عقابه. فإن قلنا إنه صفة لزم وقوع النكرة صفة للمعرفة، وإن قلنا إنه بدل لزم نبوّ ظاهر للزوم بدل واحد فيما بين صفات كثيرة. وأجيب على تقدير أن لا يكون الكل أبدالاً بأن الألف واللام من شديد محذوف لمناسبة ما قبله مع الأمن من اللبس ومن جهالة الموصوف، أو تعمد تنكيره من بين الصفات للإبهام والدلالة على فرط الشدة. وجوزوا أن تكون هذه النكتة سبباً لجعله بدلاً من بين سائر أخواته. وهذا ما قاله صاحب الكشاف. وعندي أنه لا مانع من جعل ﴿ شديد العقاب ﴾ أيضاً للاستمرار والدوام حتى يصير إضافة حقيقية. قوله ﴿ ذي الطول ﴾ أي ذي الفضل بسبب ترك العقاب وقد مر في قوله ﴿ ومن لم يستطع منكم طولاً ﴾ [ النساء : ٢٥ ] وإنما أورد هذا الوصف بعد وصفه نفسه بشدة العقاب ليعلم أن خاتمة أمره مبنية على التفضل كما أن فاتحته مبنية على الغفران وقبول التوبة وقد تقع عقوبة في الوسط أعاذنا الله منها، إلا أنه لا يبقى مؤمن في النار خالداً ببركة قوله لا إله إلا الله وهو المبدأ وسبب علمه أنه إليه المصير وهو المعاد. وفيه أن من آمن بالمبدأ والمعاد فإن أخل في الوسط ببعض التكاليف كان مرجواً أن يغفر الله له ويقبل توبته. ثم بين أحوال من لا يقبل هذه التقريرات ولا يخضع لها فقال ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾ والجدال في آياته نسبتها إلى الشعر تارة وإلى