المعنى أنه لم يأتِ في دفع شره إلا بأن استعاذ بالله، واعتمد على فضل الله لا جرم صانه الله عن كل بلية وأوصله إلى كل أمنية، وعلم أن هذه الكلمات التي ذكرها موسى عليه السلام تشتمل على فوائد :
الفائدة الأولى : أن لفظة ﴿إِنّى﴾ تدل على التأكيد فهذا يدل على أن الطريق المؤكد المعتبر في دفع الشرور والآفات عن النفس الاعتماد على الله والتوكل على عصمة الله تعالى.
الفائدة الثانية : أنه قال :﴿إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ﴾ فكما أن عند القراءة يقول المسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالله تعالى يصون دينه وإخلاصه عن وساوس شياطين الجن، فكذلك عند توجه الآفات والمخافات من شياطين الإنس إذا قال المسلم : أعوذ بالله فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات.
الفائدة الثالثة : قوله ﴿بِرَبّى وَرَبّكُمْ﴾ والمعنى كأن العبد يقول إن الله سبحانه هو الذي رباني وإلى درجات الخير رقاني، ومن الآفات وقاني، وأعطاني نعماً لا حد لها ولا حصر، فلما كان المولى ليس إلا الله وجب أن لا يرجع العاقل في دفع كل الآفات إلا إلى حفظ الله تعالى.
الفائدة الرابعة : أن قوله ﴿وَرَبّكُمْ﴾ فيه بعث لقوم موسى عليه السلام على أن يقتدوا به في الاستعاذة بالله، والمعنى فيه أن الأرواح الطاهرة القوية إذا تطابقت على همة واحدة قوي ذلك التأثير جداً، وذلك هو السبب الأصلي في أداء الصلوات في الجماعات.
الفائدة الخامسة : أنه لم يذكر فرعون في هذا الدعاء، لأنه كان قد سبق له حق تربية على موسى من بعض الوجوه، فترك التعيين رعاية لذلك الحق.
الفائدة السادسة : أن فرعون وإن كان أظهر ذلك الفعل إلا أنه لا فائدة في الدعاء على فرعون بعينه، بل الأولى الاستعاذة بالله في دفع كل من كان موصوفاً بتلك الصفة، حتى يدخل فيه كل من كان عدواً سواء كان مظهراً لتلك العداوة أو كان مخفياً لها.