فصل


قال الفخر :
﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله، بيّن أنه تعالى قيض إنساناً أجنبياً غير موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة واجتهد في إزالة ذلك الشر.
يقول مصنف هذا الكتاب رحمه الله، ولقد جربت في أحوال نفسي أنه كلما قصدني شرير بشر ولم أتعرض له وأكتفي بتفويض ذلك الأمر إلى الله، فإنه سبحانه يقيض أقواماً لا أعرفهم ألبتة، يبالغون في دفع ذلك الشر، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اختلفوا في ذلك الرجل الذي كان من آل فرعون، فقيل إنه كان ابن عم له، وكان جارياً مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل كان قبطياً من آل فرعون وما كان من أقاربه، وقيل إنه كان من بني إسرائيل، والقول الأول أقرب لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة قال تعالى :﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ﴾ [ القمر : ٣٤ ] وعن رسول الله أنه قال :" الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الذي قال :﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ الله﴾ والثالث علي ابن أبي طالب وهو أفضلهم " وعن جعفر بن محمد أنه قال : كان أبو بكر خيراً من مؤمن آل فرعون لأنه كان يكتم إيمانه وقال أبو بكر جهاراً ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ الله﴾ فكان ذلك سراً وهذا كان جهاراً.
المسألة الثانية :
لفظ من في قوله ﴿مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ﴾ يجوز أن يكون متعلقاً بقوله ﴿مُؤْمِنٍ﴾ أي كان ذلك المؤمن شخصاً من آل فرعون ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله ﴿يَكْتُمُ إيمانه﴾ والتقدير رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون، وقيل إن هذا الاحتمال غير جائز لأنه يقال كتمت من فلان كذا، إنما يقال كتمته كذا قال تعالى :﴿وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً﴾ [ النساء : ٤٢ ].


الصفحة التالية