وعلى وجه أن يكون قول الضعفاء ﴿ إنا كُنَّا لَكمُ تَبعاً ﴾ إلى آخره توبيخاً ولوماً لزعمائهم يكون قول الزعماء ﴿ إنَّا كُلٌّ فِيهَا ﴾ اعترافاً بالغلط، أي دَعُوا لومنا وتوبيخنا فقد كفانا أنا معكم في النار وتأكيد الكلام بـ ( إنّ ) للاهتمام بتحقيقه أو لتنزيل من طالبوهم بالغناء عنهم من عذاب النار مع مشاهدتهم أنهم في العذاب مثلهم، منزلة من يحسبهم غير واقعين في النار، وفي هذا التنزيل ضرب من التوبيخ يقولون : ألستم تروننا في النار مثلكم فكيف نغني عنكم.
و﴿ كل ﴾ مرفوع بالابتداء وخبره ﴿ فيها ﴾ والجملة من المبتدأ وخبره خبر ( إنَّ ) وتنوين ( كل ) تنوين عوض عن المضاف إليه، إذ التقدير : إنا كلُّنا في النار.
وجملة ﴿ إنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ ﴾ تتنزل منزلة بدل الاشتمال من جملة ﴿ إنَّا كُلٌّ فيها ﴾ فكلتا الجملتين جواب لهم مؤيس من حصول التخفيف عنهم.
والمعنى : نحن مستوون في العذاب وهو حكم الله فلا مطمع في التقصي من حكمه فقد جوزي كل فريق بما يستحق.
وما في هذه الجملة الثانية من عموم تعلق فعل الحكم بين العباد ما يجعل هذا البدل بمنزلة التذييل، أي أن الله حكم بين العباد كلهم بجزاء أعمالهم فكان قسطنا من الحكم هذا العذاب.
فكلمة ﴿ حَكَمَ ﴾ هنا مستعملة في معناها الحقيقي وهو المكان المتوسط، أي وقع حكمه وقضاؤه في مجمعهم الذي حضره من حُكم عليه ومن حكم له ومن لم يتعرض للحكومة لأنه من أهل الكرامة بالجنة، فليست كلمة ( بين ) هنا بمنزلة ( بين ) في قوله تعالى :﴿ فاحكم بينهم بما أنزل اللَّه ﴾ [ المائدة : ٤٨ ] فإنها في ذلك مستعملة مجازاً في التفرقة بين المحق والمبطل.