وفي هذه الآية عبرة لزعماء الأمم وقادتهم أن يحذروا الارتماء بأنفسهم في مهاوي الخسران فيوقعوا المقتدين بهم في تلك المهاوي فإن كان إقدامهم ومغامرتهم بأنفسهم وأممِهم على علم بعواقب ذلك كانوا أحرياء بالمذمة والخزي في الدنيا ومضاعفة العذاب في الآخرة، إذ ما كان لهم أن يغُرُّوا بأقوام وكلوا أمورهم بقادتهم عن حسن ظن فيهم، أن يخونوا أمانتهم فيهم كما قال تعالى :﴿ وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وإن كان قَحْمهم أنفسهم في مضائق الزعامة عن جهل بعواقب قصورهم وتقصيرهم فإنهم ملومون على عدم التوثق من كفاءتهم لتدبير الأمة فيخبِطوا بها خبط عشواء حتى يزلوا بها فيَهْوُوا بها من شواهق بعيدة فيصيروا رميماً، ويَلْقوا في الآخرة جحيماً.
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (٤٩)
لما لم يجدوا مساغاً للتخفيف من العذاب في جانب كُبرائهم، وتنصَّلَ كبراؤُهم من ذلك أو اعترفوا بغلطهم وتوريطهم قومَهم وأنفسَهم تمَالأَ الجميع على محاولة طلب تخفيف العذاب بدعوة من خَزَنة جهنم، فلذلك أسند القول إلى الذين في النار، أي جميعهم من الضعفاء والذين استكبروا.
وخَزَنة : جمع خَازن، وهو الحافظ لما في المكان من مال أو عروض.
و﴿ خزنة جهنم ﴾ هم الملائكة الموكَّلون بما تحويه من النار ووَقودها والمعذبين فيها وموكلون بتسيير ما تحتوي عليه دار العذاب وأهلها ولذلك يقال لهم : خزنة النار، لأن الخزن لا يتعلق بالنار بل بما يحويها فليس قوله هنا :﴿ جهنم ﴾ إظهاراً في مقام الإِضمار إذ لا يحسن إضافة خزنة إلى النار ولو تقدم لفظ جهنم لقال : لخزنتها، كما في قوله في سورة [ الملك : ٦ ٨ ] ﴿ وللذين كفروا بربهم عذاب ( جهنم ) وبئس المصير ﴾ إلى قوله :﴿ سألهم خزنتها ﴾ فإن الضمير ل ﴿ جهنم ﴾ لا ل ﴿ النار ﴾.


الصفحة التالية
Icon