ووجه تخصيص العزيز الغفار بالمقام أنه غالب على من أشرك به غفور لمن تاب عن كفره. قوله ﴿ لا جرم ﴾ لا ردّ لكلامهم، وجرم بمعنى كسب أو وجب أو لا بد وقد سبق في " هود " و " النحل ". ومعنى ﴿ ليس له دعوة ﴾ أنه لا يقدر في الدنيا على أن يدعو الناس إلى نفسه لأنه جماد، ولا في الآخرة لأنه إذا أنطقه الله فيها تبرأ من عابديه. ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي ليس له استجابة دعوة كقوله ﴿ والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ﴾ [ الرعد : ١٤ ] عن قتادة : المسرفين هم المشركون. ومجاهد : السفاكون للدماء بغير حلها. وقيل : الذين غلب شرهم خيرهم. وقيل : الذين جاوزوا في المعصية حدّ الاعتدال كما بالدوام والإصرار وكيفا بالشناعة وخلع العذار ﴿ فستذكرون ﴾ أي في الدنيا عند حلول العذاب أو في الآخرة عند دخول النار ﴿ وأفوّض أمري إلى الله ﴾ قاله لأنهم توعدوه. وفيه وفي قوله ﴿ فوقاه الله ﴾ دليل واضح على أنه أظهر الإيمان وقت هذه النصائح. قال مقاتل : لما تمم هذه الكلمات قصدوا قتله فهرب منهم إلى الجبل فطلبوه فلم يقدروا عليه. قوله ﴿ وحاق بآل فرعون ﴾ معناه أنه رجع وبال مكرهم عليهم فأغرقوا ثم أدخلوا ناراً. ولا يلزم منه أن يكونوا قد هموا بإيصال مثل هذا السوء إليه، ولئن سلّم أن الجزاء يلزم فيه المماثلة لعل فرعون قد همّ بإغراقه أو بإحراقه كما فعل نمرود. قوله ﴿ يعرضون عليها ﴾ أي يحرقون بها. يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به. وقوله ﴿ غدوّاً وعشياً ﴾ إما للدوام كما مر في صفة أهل الجنة ﴿ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً ﴾ [ مريم : ٦٢ ] وإما لأنه اكتفى في القبر بإيصال العذاب إليهم في هذين الوقتين. وفي سائر الأوقات إما أن يبقى أثر ذلك وألمه عليهم، وإما أن يكون فترة وإما أن يعذبوا بنوع آخر من العذاب الله أعلم بحالهم. وفي الآية دلالة ظاهرة على إثبات عذاب القبر لأن تعذيب يوم القيامة يجيء