﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الآخرة هُمُ الأخسرون﴾ [ هود : ٢٢ ] وقد أعاده صاحب "الكشاف" ههنا فقال ﴿لاَ جَرَمَ﴾ مساقه على مذهب البصريين أن يجعل ( لا ) رداً لما دعاه إليه قومه و ﴿جَرَمَ﴾ فعل بمعنى حق و ﴿إِنَّمَا﴾ مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته أو بمعنى كسب من قوله تعالى :﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ﴾ [ المائدة : ٢ ] أي كسب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته بمعنى أنه ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته، ويجوز أن يقال إن ﴿لاَ جَرَمَ﴾ نظيره لا بد فعل من الجرم وهو القطع كما أن بد فعل من التبديد وهو التفريق، وكما أن معنى لا بد أنك تفعل كذا أنه لا بد لك من فعله، فكذلك ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار﴾ [ النحل : ٦٢ ] أي لا قطع لذلك بمعنى أنهم أبداً يستحقون النار لا انقطاع لاستحقاقهم، ولا قطع لبطلان دعوة الأصنام، أي لا تزال باطلة لا ينقطع ذلك فينقلب حقاً، وروي عن بعض العرب لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء بزنة بد (١) وفعل إخوان كرشد ورشد وكعدم وعدم هذا كله ألفاظ صاحب "الكشاف".
ثم قال :﴿أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدنيا وَلاَ فِى الأخرة﴾ والمراد أن الأوثان التي تدعونني إلى عبادتها ليس لها دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وفي تفسير هذه الدعوة احتمالان.
الأول : أن المعنى ما تدعونني إلى عبادته ليس له دعوة إلى نفسه لأنه جمادات والجمادات لا تدعو أحداً إلى عبادة نفسها وقوله ﴿فِى الأخرة﴾ يعني أنه تعالى إذا قلبها حيواناً في الآخرة فإنها تتبرأ من هؤلاء العابدين.

(١) الوزن على هذا الضبط مثل عذر، والمعنى لا بد ففي الكلام سقط.


الصفحة التالية