والاحتمال الثاني : أن يكون قوله ﴿لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدنيا وَلاَ فِى الأخرة﴾ معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، فسميت استجابة الدعوة بالدعوة إطلاقاً لاسم أحد المتضايفين على الآخر، كقوله ﴿وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا﴾ [ الشورى : ٤٠ ] ثم قال :﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله﴾ فبين أن هذه الأصنام لا فائدة فيها ألبتة، ومع ذلك فإن مردنا إلى الله العالم بكل المعلومات القادر على كل الممكنات الغني عن كل الحاجات الذي لا يبدل القول لديه وما هو بظلام للعبيد، فأي عاقل يجوز له عقله أن يشتغل بعبادة تلك الأشياء الباطلة وأن يعرض عن عبادة هذا الإله الذي لا بد وأن يكون مرده إليه ؟ وقوله ﴿وَأَنَّ المسرفين هُمْ أصحاب النار﴾ قال قتادة يعني المشركين وقال مجاهد السفاكين للدماء والصحيح أنهم أسرفوا في معصية الله بالكلمة والكيفية، أما الكمية فالدوام وأما الكيفية فبالعود والإصرار، ولما بالغ مؤمن آل فرعون في هذه البيانات ختم كلامه بخاتمة لطيفة فقال :﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ﴾ وهذا كلام مبهم يوجب التخويف ويحتمل أن يكون المراد أن هذا الذكر يحصل في الدنيا وهو وقت الموت، وأن يكون في القيامة وقت مشاهدة الأهوال وبالجملة فهو تحذير شديد، ثم قال :﴿وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى الله﴾ وهذا كلام من هدد بأمر يخافه فكأنهم خوفوه بالقتل وهو أيضاً خوفهم بقوله ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ﴾ ثم عول في دفع تخويفهم وكيدهم ومكرهم على فضل الله تعالى فقال :﴿وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى الله﴾ وهو إنما تعلم هذه الطريقة من موسى عليه السلام، فإن فرعون لما خوفه بالقتل رجع موسى في دفع ذلك الشر إلى الله حيث قال :﴿إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب﴾ [ غافر : ٢٧ ] فتح نافع وأبو عمرو الياء من ﴿أَمْرِى﴾ والباقون بالإسكان.