ولعل الكفار توهموا أن ملائكة جهنم الموكلين بعذاب تلك الطغاة هم أقرب منزلة عند الله من غيرهم من الملائكة الموكلين ببقية دركات النار، فرجوا أن يجيبوهم ويدعوا لهم بالتخفيف، فراجعتهم الخزنة على سبيل التوبيخ لهم والتقرير :﴿ أوَلم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ﴾، فأجابوا بأنهم أتتهم، ﴿ قالوا ﴾ : أي الخزنة، ﴿ فادعوا ﴾ أنتم على معنى الهزء بهم، أو فادعوا أنتم، فإنا لا نجترىء على ذلك.
والظاهر أن قوله :﴿ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾ من كلام الخزنة : أي دعاؤكم لا ينفع ولا يجدي.
وقيل : هو من كلام الله تعالى إخباراً منه لمحمد ( ﷺ ).
وجاءت هذه الأخبار معبراً عنها بلفظ الماضي الواقع لتيقن وقوعها.
ثم ذكر تعالى أنه ينصر رسله ويظفرهم بأعدائهم، كما فعل بموسى عليه السلام، حيث أهلك عدوّه فرعون وقومه، وفيه تبشير للرسول عليه السلام بنصره على قومه، ﴿ في الحياة الدنيا ﴾، العاقبة الحسنة لهم، ﴿ ويوم يقوم الأشهاد ﴾ : وهو يوم القيامة.
قال ابن عباس : ينصرهم بالغلبة، وفي الآخرة بالعذاب.
وقال السدّي : بالانتقام من أعدائهم.
وقال أبو العالية : بإفلاح حجتهم.
وقال السدّي أيضاً : ما قتل قوم قط نبيًّا أو قوماً من دعاة الحق إلا بعث الله من ينتقم لهم، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا. انتهى.
ألا ترى إلى قتلة الحسين، رضي الله عنه، كيف سلط الله عليهم المختار بن عبيد يتبعهم واحداً واحداً حتى قتلهم؟ وبختنصر تتبع اليهود حين قتلوا يحيى بن زكريا، عليهما السلام؟ وقيل : والنصر خاص بمن أظهره الله تعالى على أمّته، كنوح وموسى ومحمد عليهم السلام، لأنا نجد من الأنبياء من قتله قومه، كيحيى، ومن لم ينصر عليهم.
وقال السدي : الخبر عام، وذلك أن نصرة الرسل والأنبياء واقعة ولا بد، إما في حياة الرسول المنصور، كنوح وموسى عليهما السلام، وإما بعد موته.