﴿ ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار؟ ﴾..
وهم لم يدعوه إلى النار. إنما دعوه إلى الشرك. وما الفرق بين الدعوة إلى الشرك والدعوة إلى النار؟ إنها قريب من قريب. فهو يبدل الدعوة بالدعوة في تعبيره في الآية التالية :
﴿ تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم. وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ﴾..
وشتان بين دعوة ودعوة. إن دعوته لهم واضحة مستقمية. إنه يدعوهم إلى العزيز الغفار. يدعوهم إلى إله واحد تشهد آثاره في الوجود بوحدانيته، وتنطق بدائع صنعته بقدرته وتقديره.
يدعوهم إليه ليغفر لهم وهو القادر على أن يغفر، الذي تفضل بالغفران :﴿ العزيز الغفار ﴾.. فإلى أي شيء يدعونه؟ يدعونه للكفر بالله. عن طريق إشراك ما لا علم له به من مدعيات وأوهام وألغاز!
ويقرر من غير شك ولا ريبة أن هؤلاء الشركاء ليس لهم من الأمر شيء، وليس لهم شأن لا في دنيا ولا في آخرة، وأن المرد لله وحده، وأن المسرفين المتجاوزين للحد في الادعاء سيكونون أهل النار :
﴿ لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة. وأن مردنا إلى الله. وأن المسرفين هم أصحاب النار ﴾.
وماذا يبقى بعد هذا البيان الواضح الشامل للحقائق الرئيسية في العقيدة؟ وقد جهر بها الرجل في مواجهة فرعون وملئه بلا تردد ولا تلعثم، بعدما كان يكتم إيمانه، فأعلن عنه هذا الإعلان؟ لا يبقى إلا أن يفوض أمره إلى الله. وقد قال كلمة وأراح ضميره، مهدداً إياهم بأنهم سيذكرون كلمته هذه في موقف لا تنفع فيه الذكرى. والأمر كله إلى الله :
﴿ فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد ﴾..
وينتهي الجدل والحوار. وقد سجل مؤمن آل فرعون كلمته الحق خالدة في ضمير الزمان.
ويجمل السياق حلقات القصة بعد هذا. وما كان بين موسى وفرعون وبني إسرائيل. إلى موقف الغرق والنجاة : ويقف ليسجل " لقطات " بعد هذا الموقف الأخير. وبعد الحياة :