لقد منحهم الله الكرامة. كرامة الإنسانية. وكرامة التبعة الفردية. وكرامة الاختيار والحرية. ولكنهم هم تنازلوا عن هذا جميعاً. تنازلوا وانساقوا وراء الكبراء والطغاة والملأ والحاشية. لم يقولوا لهم : لا. بل لم يفكروا أن يقولوها. بل لم يفكروا أن يتدبروا ما يقولونه لهم وما يقودونهم إليه من ضلال.. ﴿ إنا كنا لكم تبعاً ﴾.. وما كان تنازلهم عما وهبهم الله واتباعهم الكبراء ليكون شفيعاً لهم عند الله. فهم في النار. ساقهم إليها قادتهم كما كانوا يسوقونهم في الحياة. سوق الشياه! ثم ها هم أولاء يسألون كبراءهم :﴿ فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار؟ ﴾.. كما كانوا يوهمونهم في الأرض أنهم يقودونهم في طريق الرشاد، وأنهم يحمونهم من الفساد، وأنهم يمنعونهم من الشر والضر وكيد الأعداء!
فأما الذين استكبروا فيضيقون صدراً بالذين استضعفوا، ويجيبونهم في ضيق وبرم وملالة. وفي إقرار بعد الاستكبار :
﴿ قال الذين استكبروا : إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ﴾..
﴿ إنا كل فيها ﴾.. إنا كل ضعاف لا نجد ناصراً ولا معيناً. إنا كل في هذا الكرب والضيق سواء. فما سؤالكم لنا وأنتم ترون الكبراء والضعاف سواء؟
﴿ إن الله قد حكم بين العباد ﴾.. فلا مجال لمراجعة في الحكم، ولا مجال لتغيير فيه أو تعديل. وقد قضي الأمر، وما من أحد من العباد يخفف شيئاً من حكم الله.
وحين أدرك هؤلاء وهؤلاء أن لا ملجأ من الله إلا إليه، اتجه هؤلاء وهؤلاء لخزنة جهنم في ذلة تعم الجميع، وفي ضراعة تسوي هؤلاء بهؤلاء :
﴿ وقال الذين في النار لخزنة جهنم : ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب ﴾..
إنهم يستشفعون حراس جهنم، ليدعوا ربهم. في رجاء يكشف عن شدة البلاء :﴿ ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب ﴾.. يوماً. يوماً فقط. يوماً يلقطون فيه أنفاسهم ويستريحون. فيوم واحد يستحق الشفاعة واللهفة والدعاء.


الصفحة التالية
Icon