واعلم أن الكلام في تلك القصة لما انجر إلى شرح أحوال النار، لا جرم ذكر الله عقيبها قصة المناظرات التي تجري بين الرؤساء والأتباع من أهل النار فقال :﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النار﴾ والمعنى اذكر يا محمد لقومك إذ يتحاجون أي يحاجج بعضهم بعضاً، ثم شرح خصومتهم وذلك أن الضعفاء يقولون للرؤساء ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ في الدنيا، قال صاحب "الكشاف" تبعاً كخدم في جمع خادم أو ذوي تبع أي أتباع أو وصفاً بالمصدر ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مّنَ النار﴾ أي فهل تقدرون على أن تدفعوا أيها الرؤساء عنا نصيباً من العذاب، واعلم أن أولئك الأتباع يعلمون أن أولئك الرؤساء لا قدرة لهم على ذلك التخفيف، وإنما مقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تخجيل أولئك الرؤساء وإيلام قلوبهم، لأنهم هم الذين سعوا في إيقاع هؤلاء الأتباع في أنواع الضلالات فعند هذا يقول الرؤساء ﴿إِنَّا كُلٌّ فِيهَا﴾ يعني أن كلنا واقعون في هذا العذاب، فلو قدرت على إزالة العذاب عنك لدفعته عن نفسي، ثم يقولون ﴿إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد﴾ يعني يوصل إلى كل أحد مقدار حقه من النعيم أو من العذاب، ثم عند هذا يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين فيرجعون إلى خزنة جهنم ويقولون لهم ﴿ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفّفْ عَنَّا يَوْماً مّنَ العذاب﴾ فإن قيل لم لم يقل : وقال الذين في النار لخزنتها بل قال :﴿وَقَالَ الذين فِى النار لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ﴾ ؟ قلنا فيه وجهان الأول : أن يكون المقصود من ذكر جهنم التهويل والتفظيع والثاني : أن يكون جهنم اسماً لموضع هو أبعد النار قعراً، من قولهم بئر جهنام أي بعيدة القعر، وفيها أعظم أقسام الكفار عقوبة وخزنة ذلك الموضع تكون أعظم خزنة جهنم عند الله درجة، فإذا عرف الكفار أن الأمر كذلك استغاثوا بهم، فأولئك الملائكة يقولون لهم ﴿أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بالبينات﴾ والمقصود أن قبل إرسال


الصفحة التالية
Icon