الرسل كان للقوم أن يقولوا إنه
﴿مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ﴾ [ المائدة : ١٩ ] أما بعد مجيء الرسل فلم يبق عذر ولا علة كما قال تعالى :﴿وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [ الإسراء : ١٥ ] وهذه الآية تدل على أن الواجب لا يتحقق إلا بعد مجيء الشرع، ثم إن أولئك الملائكة يقولون للكفار ادعوا أنتم فإنا لا نجترىء على ذلك ولا نشفع إلا بشرطين أحدهما : كون المشفوع له مؤمناً والثاني : حصول الإذن في الشفاعة ولم يوجد واحد من هذين الشرطين فإقدامنا على هذه الشفاعة ممتنع لكن ادعوا أنتم، وليس قولهم فادعوا لرجاء المنفعة، ولكن للدلالة على الخيبة، فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكفار، ثم يصرحون لهم بأنه لا أثر لدعائهم فيقولون ﴿وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ فِى ضلال﴾ فإن قيل إن الحاجة على الله محال، وإذا كان كذلك امتنع أن يقال : إنه تأذى من هؤلاء المجرمين بسبب جرمهم، وإذا كان التأذي محالاً عليه كانت شهوة الانتقام ممتنعة في حقه، إذا ثبت هذا فنقول إيصال هذه المضار العظيمة إلى أولئك الكفار إضرار لا منفعة فيه إلى الله تعالى ولا لأحد من العبيد، فهو إضرار خال عن جميع الجهات المنتفعة فكيف يليق بالرحيم الكريم أن يبقى على ذلك الإيلام أبد الآباد ودهر الداهرين، من غير أن يرحم حاجتهم ومن غير أن يسمع دعاءهم ومن غير أن يلتفت إلى تضرعهم وانكسارهم، ولو أن أقصى الناس قلباً فعل مثل هذا التعذيب ببعض عبيده لدعاه كرمه ورحمته إلى العفو عنه مع أن هذا السيد في محل النفع والضرر والحاجة، فأكرم الأكرمين كيف يليق به هذا الإضرار ؟ قلنا أفعال الله لا تعلل و ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٣ ] فلما جاء الحكم الحق به في الكتاب الحق وجب الإقرار به، والله أعلم بالصواب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ٦٥ ـ ٦٦﴾


الصفحة التالية
Icon