ثم إنه تعالى وصف كيفية عقابهم فقال :﴿إِذِ الأغلال فِى أعناقهم والسلاسل يُسْحَبُونَ، فِى الحميم﴾ والمعنى : أنه يكون في أعناقهم الأغلال والسلاسل، ثم يسحبون بتلك السلاسل في الحميم، أي في الماء المسخن بنار جهنم ﴿ثُمَّ فِى النار يُسْجَرُونَ﴾ والسجر في اللغة الإيقاد في التنور، ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم، ويقرب منه قوله تعالى :﴿نَارُ الله الموقدة التى تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة﴾ [ الهمزة : ٦، ٧ ] ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله﴾ فيقولون ﴿ضَلُّواْ عَنَّا﴾ أي غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا نستشفع بهم، ثم قالوا ﴿بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً﴾ أي تبيّن أنهم لو لم يكونوا شيئاً، وما كنا نعبد بعبادتهم شيئاً، كما تقول حسبت أن فلاناً شيء، فإذا هو ليس بشيء إذا جربته فلم تجد عنده خيراً، ويجوز أيضاً أن يقال إنهم كذبوا وأنكروا أنهم عبدوا غير الله، كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة الأنعام أنهم قالوا ﴿والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ ثم قال تعالى :﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين﴾ قال القاضي : معناه أنه يضلهم عن طريق الجنة، إذ لا يجوز أن يقال يضلهم عن الحجة إذ قد هداهم في الدنيا إليها، وقال صاحب "الكشاف" ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين﴾ مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم، حتى أنهم لو طلبوا الآلهة أو طلبتم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر، ثم قال :﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الأرض﴾ أي ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق، وهو الشرك وعبادة الأصنام ﴿ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ﴾ السبعة المقسومة لكم، قال الله تعالى :﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ﴾ [ الحجر : ٤٤ ]، ﴿خالدين فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ والمراد منه ما قال في الآية المتقدمة في صفة هؤلاء المجادلين