وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي ﴾
أمر الله تعالى نبيه، عليه السلام، أن يخبرهم بأنه نهى أن يعبد أصنامهم، لما جاءته البينات من ربه، فهذا نهي بالسمع، وإن كان منهياً بدلائل العقل، فتظافرت أدلة السمع وأدلة العقل على النهي عن عبادة الأوثان.
فمن أدلة السمع قوله تعالى :﴿ أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ﴾ إلى غير ذلك، وذكره أنه نهى بالسمع لا يدل على أنه كان منهياً بأدلة العقل.
ولما نهى عن عبادة الأوثان، أخبر أنه أمر بالاستسلام لله تعالى، ثم بين أمر الوحدانية والألوهية التي أصنامهم عارية عن شيء منهما، بالاعتبار في تدريج ابن آدم بأن ذكر مبدأه الأول، وهو من تراب.
ثم أشار إلى التناسل بخلقه من نطفة، والطفل اسم جنس، أو يكون المعنى :﴿ ثم يخرجكم ﴾، أي كل واحد منكم طفلاً، وتقدم الكلام على بلوغ الأشد.
و﴿ من قبل ﴾، قال مجاهد : من قبل أن يكون شيخاً، قيل : ويجوز أن يكون من قبل هذه الأحوال، إذا خرج سقطاً، وقيل : عبارة بتردده في التدريج المذكور، ولا يختص بما قبل الشيخ، بل منهم من يموت قبل أن يخرج طفلاً، وآخر قبل الأشد، وآخر قبل الشيخ.
﴿ ولتبغلوا ﴾ : متعلق بمحذوف، أي يبقيكم لتبلغوا، أي ليبلغ كل واحد منكم أجلاً مسمى لا يتعداه.
قال مجاهد : يعني موت الجميع، وقيل : هو يوم القيامة.
و﴿ لعلكم تعقلون ﴾ ما في ذلك من العبرة والحجج، إذا نظرتم في ذلك وتدبرتم.
ولما ذكر، رتب الإيجاد، ذكر أنه المتصف بالإحياء والإمانة، وأنه متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أوجده من غير تأخر، وتقدم الكلام على مثل هذه الجمل.