ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع، فيقال لهم : أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقولون :﴿ ضلوا عنا ﴾ : أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون :﴿ بل لم نكن نعبد شيئاً ﴾، وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر.
ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئاً، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئاً، كما تقول : حسبت أن فلاناً شيء، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته، فلم تر عنده جزاء، وقولهم :﴿ ضلوا عنا ﴾، مع قوله :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ﴾ يحتمل أن يكون ذلك عند تقريعهم، فلم يكونوا معهم إذ ذاك، أو لما لم ينفعوهم قالوا :﴿ ضلوا عنا ﴾، وإن كانوا معهم.
﴿ كذلك ﴾ : أي مثل هذه الصفة وبهذا الترتيب، ﴿ يضل الله الكافرين ﴾، وقال الزمخشري : أي مثل ضلال آلهتهم عنهم، يضلهم عن آلهتهم، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا.
ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح، ﴿ بغيرالحق ﴾ : وهو الشهادة عبادة الأوثان.
وقال ابن عطية : ذلك العذاب الذي أنتم فيه مما كنتم تفرحون في الأرض بالمعاصي والكفر. انتهى.
و﴿ تمرحون ﴾، قال ابن عباس : الفخر والخيلاء ؛ وقال مجاهد : الاشر والبطر.
انتهى، فقال لهم ذلك توبيخاً أي إيماناً لكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعاصي وكثرة المال والأتباع والصحة.
وقال الضحاك : الفرح والسرور، والمرح : العدوان، وفي الحديث :" إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين " وتفرحون وتمرحون من باب تجنيس التحريف المذكور في علم البديع، وهو أن يكون الحرف فرقاً بين الكلمتين.