﴿ وَلَكُمْ فيِهَا منافع ﴾ أي غير الركوب والأكل كالألبان والأوبار والجلود ويقال : إنه في معنى ولتنتفعوا بمنافع فيها أو نحو ذلك ﴿ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ ﴾ أي أمراً ذا بال تهتمون به وذلك كحمل الأثقال من بلد إلى بلد، وهذا عطف على ﴿ لتركبوا منها ﴾ [ غافر : ٧٩ ] جاء على نمطه، وكان الظاهر المزاوجة بين الفوائد المحصلة من الأنعام بأن يؤتى باللام في الجميع أو تترك فيه لكن عدل إلى ما في "النظم الجليل" لنكتة.
قال صاحب الكشف : إن الأنعام ههنا لما أريد بها الإبل خاصة جعل الركوب وبلوغ الحاجة من أتم الغرض منها لأن جل منافعها الركوب والحمل عليها، وأما الأكل منها والانتفاع بأوبارها وألبانها بالنسبة إلى ذينك الأمرين فنزر قليل، فأدخل اللام عليهما وجعلا مكتنفين لما بينهما تنبيهاً على أنه أيضاً مما يصلح للتعليل ولكن قاصراً عنهما، وأما الاختصاص المستفاد من قوله تعالى :﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ فلأنها من بين ما يقصد للركوب ويعد للأكل فلا ينتقض بالخيل على مذهب من أباح لحمها ولا بالبقر، وقال صاحب الفرائد : إنما قيل ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فيِهَا منافع ﴾ ولم يقل : لتأكلوا منها ولتصلوا إلى المنافع لأنهم في الحال آكلون وآخذون المنافع وأما الركوب وبلوغ الحاجة فأمران منتظران فجىء فيهما بما يدل على الاستقبال.
وتعقب بأن الكل مستقبل بالنسبة إلى زمن الخلق.
وقال القاضي : تغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة، وقيل في توجيهه : يعني أن مدخول الغرض لا يلزم أن يترتب على الفعل، فالتغيير إلى صورة الجملة الحالية مع الإتيان بصيغة الاستمرار للتنبيه على امتيازه عن الركوب في كونه من ضروريات الإنسان.
ويطرد هذا الوجه في قوله تعالى :﴿ وَلَكُمْ فيِهَا منافع ﴾ لأن المراد منفعة الشرب واللبس وهذا مما يلحق بالضروريات وهو لا يضر نعم فيه دغدغة لا تخفى.