﴿ إِنَّ الذين يجادلون فِى ءايات الله ﴾ ويجحدونَ بها ﴿ بِغَيْرِ سلطان أتاهم ﴾ في ذلكَ من جهتِه تعالَى، وتقييدُ المجادلةِ بذلكَ مع استحالةِ إتيانِه للإيذانِ بأنَّ التكلَم في أمِر الدِّينِ لا بُدِّ من استنادِه إلى سطانٍ مبينٍ ألبتةَ وهذا عامٌ لكلِّ مجادلٍ مُبطلٍ وإنْ نزلَ في مُشركِي مكَة. وقولُه تعالَى :﴿ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ﴾ خبرٌ لإنَّ، أيْ ما فِي قلوبِهم إلا تكبرٌ عن الحقِّ وتعظّمٌ عن التفكرِ والتعلمِ، أو إلاَّ إرادةُ الرياسةِ والتقدمِ على الإطلاقِ أو إلا إرادةُ أنْ تكونَ النبوةُ لهم دونَك حسداً وبغياً حسبَما قالُوا :﴿ لوَلا نُزِّلَ هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتينِ عظيمٍ ﴾ وقالُوا :﴿ لو كانَ خيراً ما سبقونَا إليهِ ﴾ ولذلكَ يُجادلون فيها لا أنَّ فيها موقعَ جدالٍ ما أو أنَّ لهمُ شيئاً يتوهم أنْ يَصلُحَ مداراً لمُجادلتِهم في الجُملةِ. وقولُه تعالى :﴿ مَّا هُم ببالغيه ﴾ صفةٌ لكِبرٌ. قال مجاهدٌ ما هُم ببالغي مقتضَى ذلكَ الكِبرِ وهُو ما أرادُوه من الرياسةِ أو النبوةِ، وقيلَ المجادلونَ هم اليهودُ وكانُوا يقولونَ لستَ صاحبنَا المذكورَ في التوراةِ بلْ هُو المسيحُ بنُ داودَ يريدونَ الدجَّالَ يخرجُ في آخرِ الزمانِ ويبلغُ سلطانُه البَرَّ والبحرَ وتسيرُ معه الأنهارُ وهُو آيةٌ من آياتِ الله تعالى فيرجعُ إلينا المُلكُ فسمَّى الله تعالَى تمنَّيَهم ذلكَ كبْراً ونَفَى أنْ يبلُغوا مُتمنَّاهُم ﴿ فاستعذ بالله ﴾ أي فالتجىءْ إليهِ من كيدِ مَنْ يحسدُكَ ويبغِي عليكَ وفيهِ رمزٌ إلى أنَّه من هَمَزاتِ الشياطينِ ﴿ إِنَّهُ هُوَ السميع البصير ﴾ لأقوالِكم وأفعالِكم. وقولُه تعالَى :