فصل
قال الفخر :
ثم قال :﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ﴾.
واعلم أنا قد ذكرنا أن الدلائل على قسمين دلائل الآفاق والأنفس، أما دلائل الآفاق فكثيرة والمذكور منها في هذه الآية أربعة : الليل والنهار والأرض والسماء، وأما دلائل الأنفس فقد ذكرنا أنها على قسمين أحدها : الأحوال الحاضرة حال كمال الصحة وهي أقسام كثيرة، والمذكور ههنا منها ثلاثة أنواع : الصورة وحسن الصورة ورزق الطيبات.
وأما القسم الثاني : وهو كيفية تكون هذا البدن من ابتداء كونه نطفة وجنيناً إلى آخر الشيخوخة والموت فهو المذكور في هذه الآية فقال :﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ فقيل المراد آدم، وعندي لا حاجة إليه لأن كل إنسان فهو مخلوق من المني ومن دم الطمث، والمني مخلوق من الدم فالإنسان مخلوق من الدم والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيوانية وإما نباتية، والحال في تكون ذلك الحيوان كالحال في تكون الإنسان، فالأغذية بأسرها منتهية إلى النباتية والنبات إنما يكون من التراب والماء، فثبت أن كل إنسان فهو متكون من التراب، ثم إن ذلك التراب يصير نطفة ثم علقة بعد كونه علقة مراتب كثيرة إلى أن ينفصل من بطن الأم، فالله تعالى ترك ذكرها ههنا لأجل أنه تعالى ذكرها في سائر الآيات.