ثم بيّن تعالى أن أولئك الكفار لما جاءتهم رسلهم بالبينات والمعجزات فرحوا بما عندهم من العلم، واعلم أن الضمير في قوله ﴿فَرِحُواْ﴾ يحتمل أن يكون عائداً إلى الكفار، وأن يكون عائداً إلى الرسل، أما إذا قلنا إنه عائد إلى الكفار، فذلك العلم الذي فرحوا به أي علم كان ؟ وفيه وجوه الأول : أن يكون المراد الأشياء التي كانوا يسمونها بالعلم، وهي الشبهات التي حكاها الله عنهم في القرآن كقولهم ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] وقولهم ﴿لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ] وقولهم ﴿مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ﴾ [ يس : ٧٨ ]، ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً﴾ [ الكهف : ٣٦ ] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء، كما قال :﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [ المؤمنون : ٥٣ ]، الثاني : يجوز أن يكون المراد علوم الفلاسفة، فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علومهم، وعن سقراط أنه سمع بمجيء بعض الأنبياء فقيل له لو هاجرت فقال نحن قوم مهديون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا الثالث : يجوز أن يكون المراد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى :
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غافلون﴾ [ الروم : ٧ ]، ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم﴾ [ النجم : ٣٠ ] فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات وهي معرفة الله تعالى ومعرفة المعاد وتطهير النفس عن الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزؤا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به.


الصفحة التالية
Icon