أما إذا قلنا الضمير عائد إلى الأنبياء ففيه وجهان الأول : أن يجعل الفرح للرسل، ومعناه أن الرسل لما رأوا من قومهم جهلاً كاملاً، وإعراضاً عن الحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم، فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه، وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم الثاني : أن يكون المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به، كأنه قال استهزؤا بالبينات، وبما جاؤا به من علم الوحي فرحين، ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ البأس شدة العذاب ومنه قوله تعالى :﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [ الأعراف : ١٦٥ ] فإن قيل أي فرق بين قوله ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم﴾ وبين ما لو قيل فلم ينفعهم إيمانهم ؟ قلنا هو مثل كان في نحو قوله ﴿مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ﴾ [ مريم : ٣٥ ] والمعنى فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم، فإن قيل اذكروا ضابطاً في الوقت الذي لا ينفع الإتيان بالإيمان فيه، قلنا إنه الوقت الذي يعاين فيه نزول ملائكة الرحمة والعذاب، لأن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى الإيمان فذلك الإيمان لا ينفع إنما ينفع مع القدرة على خلافه، حتى يكون المرء مختاراً، أما إذا عاينوا علامات الآخرة فلا.
ثم قال تعالى :﴿سُنَّةَ الله التى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ﴾ والمعنى أن عدم قبول الإيمان حال اليأس سنة الله مطردة في كل الأمم.
ثم قال :﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون﴾ فقوله ﴿هُنَالِكَ﴾ مستعار للزمان أي وخسروا وقت رؤية البأس، والله الهادي للصواب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ٧٩ ـ ٨٠﴾


الصفحة التالية
Icon