وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض ﴾
حتى يشاهدوا آثار الأمم السالفة ﴿ كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ﴾ عدداً ﴿ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأرض فَمَآ أغنى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ من الأبنية والأموال وما أدالوا به من الأولاد والأتباع ؛ يقال : دلوت بفلان إليك أي استشفعت به إليك.
وعلى هذا "ما" للجحد أي فلم يغن عنهم ذلك شيئاً.
وقيل :"ما" للاستفهام أي أيّ شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا.
ولم ينصرف "أَكْثَرَ" ؛ لأنه على وزن أفعل.
وزعم الكوفيون أن كل ما لا ينصرف فإنه يجوز أن ينصرف إلا أفعل من كذا فإنه لا يجوز صرفه بوجه في شعر ولا غيره إذا كانت معه من.
قال أبو العباس : ولو كانت مِن المانعة من صرفه لوجب ألا يقال : مررت بخير منك وشر ( منك و ) من عمرو.
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات ﴾ أي بالآيات الواضحات.
﴿ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم ﴾ في معناه ثلاثة أقوال.
قال مجاهد : إن الكفار الذين فرحوا بما عندهم من العلم قالوا : نحن أعلم منهم لن نعذّب ولن نبعث.
وقيل : فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا نحو ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا ﴾ [ الروم : ٧ ].
وقيل : الذين فرحوا الرسل لمّا كذبهم قومهم أعلمهم الله عز وجل أنه مهلك الكافرين ومنجيهم والمؤمنين ف"فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ" بنجاة المؤمنين ﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ أي بالكفار ﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ أي عقاب استهزائهم بما جاء به الرسل صلوات الله عليهم.
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ أي عاينوا العذاب.
﴿ قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴾ أي بالأوثان التي أشركناهم في العبادة ﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ﴾ بالله عند معاينة العذاب وحين رأوا البأس.


الصفحة التالية
Icon