﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات ﴾ بالمعجزاتِ أو بالآياتِ الواضحةِ ﴿ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم ﴾ أي أظهرُوا الفرحَ بذلكَ وهو ما لَهُم من العقائدِ الزائغةِ والشُّبهِ الداخصةِ. وتسميتُها علماً للتهكمِ بهم، أو علُم الطبائعِ والتنجيمِ والصنائعِ ونحوِ ذلك، أو هو علمُ الأنبياءِ الذي أظهرَهُ رسلُهم على أنَّ مَعْنى فرحِهم بهِ ضحِكُهم منْهُ واستهزاؤُهم بهِ، ويؤيدُه قولُه تعالى :﴿ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ ﴾ وقيلَ الفرحَ أيضاً للرسلِ فإنَّهم لمَّا شاهدُوا تماديَ جهلِهم وسوءَ عاقبتِهم فِرحُوا بمَا أُوتوا منَ العلمِ المُؤدِّي إلى حُسنِ العاقبةِ وشكرُوا الله عليهِ وحاقَ بالكافرينَ جزاءُ جهلِهم واستهزائِهم ﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ شدةَ عذابِنا ومنْهُ قولُه تعالى :﴿ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ﴾ ﴿ قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴾ يعنونَ الأصنامَ ﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ أي عندَ رؤيةِ عذابِنا لامتناعِ قَبولِه حينئذٍ ولذلكَ قيلَ فلم يكُ يمعَنْى لَم يصحَّ ولم يستقمْ. والفاءُ الأُولى لبيانِ عاقبةِ كثرتِهم وشدةِ قوتِهم وما كانُوا يكسبونَ بذلكَ زعماً منهُم أنَّ ذلكَ يُغنِي عنُهم فلم يترتبْ عليهِ إلا عدمُ الإغناءِ فبهذا الاعتبارِ جرى مَجرى النتيجةِ وإنْ كانَ عكسَ الغرضِ ونقيضَ المطلوبِ كَما في قولِك وعظتُه فلم يتعظْ، والثانيةُ تفسيرٌ وتفصيلٌ لما أُبهمَ وأُجملَ من عدمِ الإغناءِ وقد كثُر في الكلامِ مثلُ هذه الفاءِ ومبناهَا على أنَّ التفسيرَ بعدَ الإبهامِ والتفصيلَ بعد الإجمالِ، والثالثةُ لمجردِ التعقيبِ وجعلِ ما بعدَها تابعاً لما قبلَها واقعاً عقيبه لأنَّ مضمونَ قولِه تعالَى : فلمَّا جاءتْهُم الخ هُو أنَّهم كفُروا فصارَ مجموعُ الكلامِ بمنزلةِ أنْ يقالَ فكفرُوا ثمَّ لما


الصفحة التالية
Icon