وقال الآلوسى :
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ ﴾
أي أقعدوا فلم يسيروا على أحد الرأيين :
﴿ كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً فِى الأرض ﴾ الخ استئناف نظير ما مر في نظيره أول السورة بل أكثر الكلام هناك جار ههنا ﴿ فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ ﴿ مَا ﴾ الأولى : نافية أو استفهامية في معنى النفي في محل نصب بأغنى، والثانية : موصولة في موضع رفع به أو مصدرية والمصدر الحاصل بالتأويل مرفوع به أيضاً أي لم يغن عنهم أو أي شيء أغنى عنهم الذي كسبوه أو كسبهم.
﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات ﴾ المعجزات أو الآيات الواضحات الشاملة لذلك ﴿ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم ﴾ ذكر فيه ستة أوجه.
الأول : أن المراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة فيما يتعلق بالمبدأ والمعاد وغيرهما أو عقائدهم المتعلقة بأحوال الآخرة كما هو ظاهر كلام الكشاف، والتعبير عن ذلك بالعلم على زعمهم للتهكم كما في قوله تعالى :﴿ بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ فِى الآخرة ﴾ [ النمل : ٦٦ ].
والمعنى أنهم كانوا يفرحون بذلك ويستحقرون له علم الرسل عليهم السلام ويدفعون به البينات.
الثاني : أن المراد به علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان على اختلاف أنواعه فكانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علم الأنبياء عليهم السلام إلى ما عندهم من ذلك.
وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه الصلاة والسلام، وقيل له : لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهذبون فلا حاجة لنا إلى من يهذبنا.
والزمان متشابه فقد رأينا من ترك متابعة خاتم المرسلين ﷺ واستنكف عن الانتساب إلى شريعة أحد منهم فرحاً بما لحس من فضلات الفلاسفة وقال : إن العلم هو ذاك دون ما جاء به الرسل صلوا ت الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.