على طائفة مخرجة من المال على وجه القربة من أناس عندهم فضل على حاجتهم كان شايعا قبل فرض الزكاة، وكان يسمى عندهم زكاة أيضا، وكانوا متفاخرين بإعطائها، بدليل قول أمية بن الصلت في مدح طائفة من قومه : الفاعلون للزكوات، وإن ما جاء في تفسير الإمام الرازي من ان ويلا خصت بالأصناف الثلاثة المشركين، ومانعي الزكاة والكافرين حسن جدا لو لا ان الآية عدتهم صنفا واحدا، إذ وصفت المشركين بمانعي الزكاة وسمتهم الكافرين تدبر هذا، وان خطتنا في هذا التفسير المبارك اتباع الظاهر ما استطعنا، لأن الجنوح إلى التأويل مع إمكان عدمه قد يكون خوضا والخوض قد يؤدي إلى الوقوع فيما لا ينبغي، وقد ذم اللّه تعالى الخائضين راجع الآية ٦٧ من سورة الأنعام المارة والآية ١٤٠ من سورة المائدة والآية ٣١ من سورة التوبة في ج ٣، لهذا أرى الكف عن التوغل في مثل هذا مطلوبا لأن اللّه تعالى لو شاء لقول ما يقدمون على تأويله، ولكنه لم يشأ، فعلى العاقل أن يترك مشبثته لمشيئة اللّه ويعلم أن كثرة ذكر الزكاة في القرآن العظيم لزيادة الحث على اعطائها وشدة التحذير من منعها، لأن بذل المال في سبيل اللّه أقوى دليل على الاستقامة وصدق النية وقوة الإيمان ونصح الطوية، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا قرت بها عصبيتهم ولانت شكيمتهم، وما ارتد بنو حنيفة إلا بمنع الزكاة، ففي هذه الآية بعث لاستنهاض همم المؤمنين على أدائها عن طيب نفس وتخويف عظيم على منعها، قيل إن هذه الآية الأخيرة نزلت بالزمى والمرضى والهرمي المتحقق عجزهم عن العمل الصالح بأن يكتب لهم مثله، بدليل ما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول، إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله مرض أو سفر كتب اللّه له كصالح ما كان يعمل، وهو صحيح مستقيم.


الصفحة التالية
Icon