وكان من تعاليمه عليه السلام : من ضربك على خدّك الأيمن فأعطه الأيسر، ومن أخذ ثوبك فأعطه رداءك، وكان يأمر بمحبة الأعداء والعفو عن الاعتداء، وكان أزهد الناس في الدنيا عاش ثلاثا وثلاثين سنة في الأرض، ورفع إلى السماء ولم يختص بمحل يأوي إليه حتى آواه اللّه برفعه إليه "فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" ٣٤ مخلص صادق في محبتك ولوع في مودتك، لأن اللّه تعالى يقلب عداوته صداقة محضة بأن يجعله أدنى لك من قريبك، قال :
إن العداوة تستحيل مودة بتدارك الهفوات بالحسنات
"وَما يُلَقَّاها" أي تلك الخصال الحميدة "إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا" على أنفسهم وتحملوا المكاره وتجرعوا الشدائد وكظموا الغيظ وتركوا الانتقام، فصارت طبيعتهم الصبر وشأنهم العفو وديدنهم التحمل "وَما يُلَقَّاها" الأمور المذكورة آنفا ويقوم بها "إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" ٣٥ أي موقق للخير ميسّر للهدى مسوق المرشد ذو نصيب كبير من كمال النفس، وحظ عظيم من طهارة القلب، وحصة جليلة من مكارم الأخلاق.
مطلب في النزغ وسجود التلاوة وعهد اللّه في حفظ القرآن :
قال تعالى "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ" أيها الإنسان الكامل "مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ" فتحس بما ينخسه في قلبك ويوسوس فيه بصدرك من ترغيبك لفعل ما لا ينبغي فعله وصرفك عن القيام بتلك الخصال النفيسة وحثك للانتقام، فاحذر أن تطيعه، وإن حاك في نفسك شيء من اجراء المقابلة "فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ" منه والجأ إليه
ليحفظك من خدعه وغشه "إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ" لمن يستغيث به فيجيبه وهو "الْعَلِيمُ" ٣٦ بصدق ركونك إليه فيحفظك من شر نزغاته، ويحول دون التفاتك إليه، وقدمنا ما يتعلق بالنزغ في الآية ١٠٠ من سورة يوسف وفي الآية ١٢ من سورة يونس المارتين، وفيهما ما يرشدك لمراجعته من الآيات الباحثة عن هذا.


الصفحة التالية
Icon