واعلم يا سيد الرسل أن هؤلاء "لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا" لأنا نراهم ونرى ما يعملون، وفي هذه الجملة تهديد كبير بعظيم مجازاتهم "أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ" هذا تمثيل للكافر على الإطلاق "خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً" من العذاب "يَوْمَ الْقِيامَةِ" وهذا تمثيل للمؤمن مطلقا أيضا، وما قيل إن هذه الآية نزلت في أبي جهل وحضرة الرسول، أو في أبي بكر أو عمار بن ياسر أو عمر أو عثمان أو حمزة على اختلاف الأقوال في ذلك، وفرض صحة هذا السبب لا يقيدها عن عمومها ولا يخصصها عن إطلاقها، لأن العبرة دائما لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
ثم ذكر تعالى ما هو غاية في التخويف والتهديد والوعيد لأولئك الملحدين بقوله عز قوله "اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ" أن تعملوه أيها الكفرة "إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" ٤٠ والبصير بالشيء يعلمه ويعلم ما يستحقه
فاعله من العقوبة، وهذه الآية غاية في التشديد وعظم التهديد للملحدين خاصة، ويدخل فيها من على شاكلتهم من الكفرة
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ" الجملة من ان واسمها وخبرها واقعة مبتدأ وجملة (أُولئِكَ يُنادَوْنَ) إلخ خبرها، وما بينهما اعتراض، والمراد بالذكر هنا هو القرآن "وَإِنَّهُ" ذلك الذكر ولَكِتابٌ عَزِيزٌ" عديم النظير محمي بحماية اللّه كريم عليه محفوظ ؟ ؟ ؟ التبديل والتغيير والتحريف "لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ" الذي يريده الملحدون ليوقعوا فيه تناقضا بزعمهم "مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ" قبله وأمامه "وَلا مِنْ خَلْفِهِ" ورائه ودبره، لا يتطرق إليه الباطل بوجه من الوجوه لأنه "تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" ٤١ في أقواله وأفعاله محمود على ما أسداه من النعم المتتابعة إلى خلقه، ومن أجلّها هذا القرآن المصون، وتقدم في الآية ٩ من سورة الحجر ما يتعلق في هذا البحث، المراجعة.