وقال أبو حيان :
﴿قل أأنتم أعلم أم الله﴾ : القول في القراءات في أأنتم، كهو في قوله :
﴿أأنذرتهم أم لم تنذرهم﴾ وقد توسط هنا المسؤول عنه، وهو أحسن من تقدمه وتأخره، إذ يجوز في العربية أن يقول : أأعلم أنتم أم الله ؟ ويجوز : أأنتم أم الله أعلم ؟ ولا مشاركة بينهم وبين الله في العلم حتى يسأل : أهم أزيد علماً أم الله ؟ ولكن ذلك على سبيل التهكم بهم والاستهزاء، وعلى تقدير أن يظن بهم علم، وهذا نظير قول حسان :
فشركما لخيركما الفداء... وقد علم أن الذي هو خير كله، هو الرسول عليه السلام، وأن الذي هو شر كله، هو هاجيه. وفي هذا ردّ على اليهود والنصارى، لأن الله قد أخبر بقوله :﴿ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين﴾ ولأن اليهودية والنصرانية إنما حدثتا بعد إبراهيم، ولأنه أخبر في التوراة والإنجيل أنهم كانوا مسلمين مميزين عن اليهودية والنصرانية. وخرجت هذه الجملة مخرج ما يتردد فيه، لأن اتباع أحبارهم ربما توهموا، أو ظنوا، أن أولئك كانوا هوداً أو نصارى لسماعهم ذلك منه، فيكون ذلك ردًّا من الله عليهم، أو لأن أحبارهم كانوا يعلمون بطلان مقالتهم في إبراهيم ومن ذكر معه، لكنهم كتموا ذلك ونحلوهم إلى ما ذكروا، فنزلوا لكتمهم ذلك منزلة من يتردد في الشيء، وردّ عليهم بقوله : أأنتم أعلم أم الله، لأن من خوطب بهذا الكلام بادر إلى أن يقول : الله أعلم، فكان ذلك أقطع للنزاع. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ١ صـ ٥٨٨﴾