القائلون بخلق القرآن احتجوا بهذه الآية من وجوه الأول : أنه وصف القرآن بكونه تنزيلاً ومنزلاً والمنزل والتنزيل مشعر بالتصيير من حال، فوجب أن يكون مخلوقاً الثاني : أن التنزيل مصدر والمصدر هو المفعول المطلق باتفاق النحويين الثالث : المراد بالكتاب إما الكتاب وهو المصدر الذي هو المفعول المطلق أو المكتوب الذي هو المفعول الرابع : أن قوله ﴿فُصّلَتْ﴾ يدل على أن متصرفاً يتصرف فيه بالتفصيل والتمييز، وذلك لا يليق بالقديم الخامس : أنه إنما سمي قرآناً لأنه قرن بعض أجزائه بالبعض وذلك يدل على كونه مفعول فاعل ومجعول جاعل السادس : وصفه بكونه عربياً، وإنما صحت هذه النسبة لأجل أن هذه الألفاظ إنما دخلت على هذه المعاني بحسب وضع العرب واصطلاحاتهم، وما جعل بجعل جاعل وفعل فاعل فلا بدّ وأن يكون محدثاً ومخلوقاً الجواب : أن كل هذه الوجوه التي ذكرتموها عائدة إلى اللغات وإلى الحروف والكلمات، وهي عندنا محدثة مخلوقة، إنما الذي ندعي قدمه شيء آخر سوى هذه الألفاظ، والله أعلم.
المسألة الثانية :
ذهب أكثر المتكلمين إلى أنه يجب على المكلف تنزيل ألفاظ القرآن على المعاني التي هي موضوعة لها بحسب اللغة العربية، فأما حملها على معان أُخر لا بهذا الطريق فهذا باطل قطعاً، وذلك مثل الوجوه التي يذكرها أهل الباطن، مثل أنهم تارة يحملون الحروف على حساب الجمل وتارة يحملون كل حرف على شيء آخر، وللصوفية طرق كثيرة في الباب ويسمونها علم المكاشفة والذي يدلل على فساد تلك الوجوه بأسرها قوله تعالى :﴿قُرْءَاناً عَرَبِيّاً﴾ وإنما سماه عربياً لكونه دالاً على هذه المعاني المخصوصة بوضع العرب وباصطلاحاتهم، وذلك يدل على أن دلالة هذه الألفاظ لم تحصل إلا على تلك المعاني المخصوصة، وأن ما سواه فهو باطل.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon