ولما بين أنهم أوجدوا الكبر، عطف عليه من غرائزهم ما هو أصل لكل سوء، فقال مبيناً قرط جهلهم باجترائهم على العظمة التي شأنها قصم الظالم وأخذ الآثم :﴿وكانوا﴾ أي طبعاً لهم ﴿بآياتنا﴾ على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا ﴿يجحدون﴾ أي ينكرون إنكاراً يضمحل عنده كل إنكار عناداً مع علمهم بأنها من عندنا ﴿فأرسلنا﴾ بسبب ذلك على ما لنا من العظمة، ودل على صغارهم وحقارتهم بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم﴾ وزاد في تحقيرهم بأن أخبر أنه أهلكهم لأجل ما تعززوا به من قوة أبدانهم ووثاقة خلقهم بما هو من ألطف الأشياء جسماً وهو الهواء فقال :﴿ريحاً﴾ أي عظيمة ﴿صرصراً﴾ أي شديدة البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجمد البدن ببردها فتكون كأنها تصره - أي تجمعه - في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوته، وتقطع القلب بصوتها، فتقهر شجاعته، وتحرق بشدة بردها كل ما مرت عليه.
ولما تقدم في هذا السياق استكبارهم على الوجه المذكور وادعاؤهم أنهم أشد الناس قوة اقتضى الحال تحقيرهم في إهلاكهم، فذكر الأيام دون الليالي وإن تضمنتها فقال تعالى :﴿في أيام﴾ ولما كان جمع القلة قد يستعار للكثرة حقق أن المراد القلة بوصفه بجمع السلامة فقال :﴿نحسات﴾ وكان ذلك أدل على هذا المراد من إفراد اليوم كما في القمر لأنه قد يراد به زمان يتم فيه أمر ظاهر ولو طالت مدته، ويصح للجنس فيشمل مع القليل ما يصلح له جمع الكثرة.