وفيه - مع أنه نذارة - رمز للمنزل عليه هذا الوحي ـ ﷺ ـ بأعظم بشارة لما أومأ إليه افتتاح السورة باسمي الرحمة، وقوله تعالى ﴿بشيراً ونذيراً﴾ ومن جعل أيام هذا العذاب ثمانية، أشار إلى الحلم والتأني كما أشار إليه ما تقدم من خلق هذا الوجود في ستة أيام، وقد كان قادراً على كل من التعذيب والإيجاد في لحظة واحدة، فأشار ذلك إلى أنه في السنة السادسة من الهجرة يكون الفتح السببي بعمرة الحديبية التي كانت سبب نزول سورة الفتح، وفي السابعة يكون الاعتمار الذي كان عليهم أشد من وقوع الصارم البتار، حتى ذهب عمرو بن العاص من أجل ذلك إلى الحبشة لئلا يرى من دخول النبي ـ ﷺ ـ وأصحابه ـ رضى الله عنه ـ م ما لا صبر له عليه، وفي الثامنة يكون الفتح الحقيقي بعشرة آلاف مقاتل أكثرهم دارع لا يُرى منهم إلا الحدق، حتى خالوا بياض لأمهم السراب، فظنوا بهم غاية العذاب، فكانوا رحمة، وعاد رأوا السحاب فظنوه رحمة فكان عذاباً ونقمة، ووصفها بالنحس مبالغة مثل رجل عدل ليدل على أنها كانت قابلة لانفعال الجسد وما كان فيه من القوى بهذه الريح، وهو مصدر جمع لاختلاف أنواع النحس فيها - هذا على قراءة الجماعة بسكون الحاء، وأما قراءة ابن عامر والكوفيين بكسر الحاء فهي صفة من فعل بالكسر مثل : فرح فهو فرح، وأول هذه الأيام الأربعاء في قول يحيى بن سلام، وقال غيره : وما عذب قوم إلا يوم الأربعاء ﴿لنذيقهم﴾ وأضاف الموصوف إلى صفته على المبالغة من وادي رجل عدل فقال :﴿عذاب الخزي﴾ أي الذي يهيئهم ويفضحهم ويذلهم بما تعظموا وافتخروا على كلمة الله التي أتتهم بها رسله، وصف العذاب بالخزي الذي هو للمعذب به مبالغة في إخزائه له ﴿في الحياة الدنيا﴾ ليذلوا عند من تعظموا عليهم في الدار التي اغتروا بها فتعظموا فيها فإن ذلك أدل على القدرة عند من تقيد بالوهم ﴿ولَعذاب الآخرة﴾ الذي أعد للمتكبرين ﴿أخزى﴾ أي أشد إخزاء


الصفحة التالية
Icon