وقال الآلوسى :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ﴾
لست ملكاً ولا جنياً لا يمكنكم التلقي منه، وهو رد لقولهم :﴿ بيننا وبينك حجاب ﴾ [ فصلت : ٥ ] ﴿ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ ﴾ أي ولا أدعوكم إلى ما عنه العقول وإنما أدعوكم إلى التوحيد الذي دلت عليه دلائل العقل وشهدت له شواهد السمع، وهذا جواب عن قولهم :﴿ قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ﴾ [ فصلت : ٥ ] ﴿ فاستقيموا إِلَيْهِ ﴾ فاستووا إليه تعالى بالتوحيد واخلاص العبادة ولا تتمسكوا بعرا الشرك وتقولوا لمن يدعوكم إلى التوحيد : قلوبنا في أكنة الخ ﴿ واستغفروه ﴾ مما سلف منكم من القول والعمل وهذا وجه لا يخلو عن حسن في ربط الأمر بما قلبه، وفي إرشاد العقل السليم أي لست من جنس مغاير لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب وتباين مصحح لتباين الأعمال والاديان كما ينبىء عنه قولكم :﴿ فاعلم إِنَّنَا عاملون ﴾ [ فصلت : ٥ ] بل إنما أن بشر مثلكم مأمور بما آمركم به حيث أخبرنا جميعاً بالتوحيد بخطاب جامع بيني وبينكم، فإن الخطاب في ﴿ ألهاكم ﴾ محكى منتظم للكل لا أنه خطاب منه عليه الصلاة والسلام للكفرة كما في مثلكم وهو مبني على اختيار الوجه الأول في ﴿ فاعلم إِنَّنَا عاملون ﴾ ولا بأس به من هذه الجهة نعم فيه قصور من جهة أخرى، وقال صاحب الفرائد : ليس هذا جواباً لقولهم إذ لا يقتضي أن يكون له جواب، وحاصله لا تتركهم وما يدينون لقولهم ذلك المقصود منه أن تتركهم، سلمنا أنه جواب كلن المراد منه أني بشر فلا أقدر أن أخرج قلوبكم من الأكنة وأرفع الحجاب من البين والوقر من الآذان ولكني أوحى إلي وأمرت بتبليغ ﴿ أَنَّمَا إلهكم إله واحد ﴾ وللإمام كلام قريب مما ذكر في حيز التسليم، وكلا الكلامين غير واف بجزالة النظم الكريم، وجعله الزمخشري جواباً من أن المشركين طالما يتمسكون في رد النبوة بأن مدعيها بشر ويجب أن يكون ملكاً ولا يجوز أن يكون بشراً ولذا لا يصغون إلى قول الرسول ولا يتفكرون فيه فقوله عليه


الصفحة التالية
Icon