بما فيهم من سلامة الطبع وسلاسة الانقياد لبراهين العقل والسمع وحدة الأذهان وفصاحة اللسان وصحة الأفكار وبعد الأغوار، وفي هذا تبكيت لهم في كونهم لا ينظرون محاسنه فيهتدوا بها كما يعتنون بالنظر في القصائد حتى يقضوا لبعضها على بعض حتى أنهم ليعلقون بعضها على الكعبة المشرفة تشريفاً له، وفيه حث لهم - وهم أولو العزائم الكبار - على العلم بع ليغتنوا عن سؤال اليهود، وفيه بشرى بأنه تعالى يهب العرب بعد هذا الجهل علماً كثيراً، وعن هذا الكفر إيماناً عظيماً كبيراً، وفي الآية إشارة إلى ذم المقترحين المشار إليهم آخر التي قبلها بأنهم قد أتاهم ما أغناهم عنه من آيات هذا الكتاب الذي عجزوا عن مباراته، ومناظرته ومجاراته وذلك في غاية الغرابة، لأنه كلام من جنس كلامهم في كونه عربياً، وقد خالفت كلامهم وأسجاعهم، مع كونه ليس شعراً ولا سجعاً أصلاً ولا هم من أنواع نثرهم، ولا من ضروب خطبهم، فعجزوا عن الإيتان بشيء من مثله في مر الأحقاب وكر الدهور والأعضار، وكفى بذلك معجزة شديدة الغرابة بمن ينيب.
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تضمنت سورة غافر بيان حال المعاندين وجاحدي الآيات، وأن ذلك ثمرة تكذيبهم وجدلهم، وكان بناء السورة على هذا الغرض بدليل افتتاحها وختمها، ألا ترى قوله تعالى
( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا )
[ غافر : ٤ ] وتأنيس نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله
( فلا يغررك تقبلهم في البلاد )
[ غافر : ٤ ] فقد تقدم ذلك من غيرهم فأعقبهم سوء العاقبة والأخذ الوبيل ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ( فعصمتهم واقية
( إنا لننصر رسلنا )
[ غافر : ٥١ ] وقال تعالى :
( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( ) ٧
[ غافر : ٥ ] أي رأيت ما حل بهم وقد بلغك خبرهم، فلا اعتبر هؤلاء بهم