وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات والمشاهدات، فهم يقولون : كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في الدينا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير قابلة للزوال، بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى، وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة، وهي كالشعلة بالنسبة إلى الشمس، والقطرة بالنسبة إلى البحر، والتعلقات الجسمانية هي التي تحول بينها وبين الملائكة، كما قال ﷺ :" لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات " فإذا زالت العلائق الجسمانية والتدبيرات البدنية، فقد زال الغطاء والوطاء، فيتصل الأثر بالمؤثر، والقطرة بالبحر، والشعلة بالشمس، فهذا هو المراد من قوله ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الحياة الدنيا وَفِي الأخرة﴾ ثم قال :﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ قال ابن عباس :﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ أي ما تتمنون، كقوله تعالى :﴿لَهُمْ فِيهَا فاكهة وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ﴾ [ يس : ٥٧ ] فإن قيل فعلى هذا التفسير لا يبقى فرق بين قوله ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ﴾ وبين قوله ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ قلنا : الأقرب عندي أن قوله ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ﴾ إشارة إلى الجنة الجسمانية، وقوله ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله ﴿دعواهم فِيهَا سبحانك اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ [ يونس : ١٠ ].